ستلتقي يا بُنَيَّ بأشياءَ كثيرةٍ حينَ تَكبُرْ.. أشياءَ رغم خيالكَ الواسعِ هذا لم تَكُنْ تتصور أنها سَتوجَدْ.. ليس من فرطِ جمالها بل من فرط شرورها.. ليست الحياة كما يصورونها لك فيما تحب مشاهدته.. إنها لا تنتهي بالنهايات السعيدةِ إلاّ نادراً.. وإن أبطالَ الخيرِ فيها ليسوا بقوة أشرارها.. إنهم أقل مالاً وعتاداً ونفوذاً.. كما أنهم لا يلبسونَ من تلك الملابس الملونة الفاخرة التي تعشق شراءها! بل إنك كلما رأيتَ مزركَشاً حلو الكلامِ فخرَ الثيابِ فعليكَ الحَذَرُ منه! إن خيرَ هذا العالمِ في البُسَطاءِ والفُقَراءِ الذينَ لا يعرفهم أحد.. أولئكَ الَّذِينَ يَرحَلونَ دونَ صَخَبٍ كشمسِ الصباح وقمر هذا الليل..
و إن أكثر الأشياءِ جمالاً في هذه الحياة أكثَرُها قُبْحاً و أكثَرُها نَفعاً أكثرُها ضرَراً وأكثرُها حلاوَةً أكثرُها مرارة.. وهكذا الناس.. سيكونونَ أكثَرَ من يجلب لَكَ الحزن.. لكنَّ بعضَهُم سيكونُ أكثَرَ من يجلب لك السعادة.. لذا كانت أعظم الفنون التي عليك تعلمها فنون مخالطةِ البشر.. أدري عشقك للحيوان.. لكن مخالطة الحيوانات أسهل بكثير من مخالطة البشر وإن شئت أن ترى ذلك بأم عينيك فما عليكَ إلا أن تَكبُرْ!
يقول الشاعر الإنجليزي الحائز على نوبل (كيپلينج) في قصيدته (إف) لإبنه: يا بني لن تكون رجلا إلا حين تخالط البشر ولا تتغير للأسوأ!
لكنك لن تكون حزيناً فالحصول على السعادة سهل جدا لكنه يحتاج ألف شيء صغير لا تحس به.. منها أن تستمتع برائحة الأرض هذه بعد أن غسلتها مياه المطر، ومنها أن تقبل أطفالك كل ليلة ومنها أن لا تشتكي كثيرا من سوء طعام المطعم الذي سيصطحبك إليه صديقك!
واعلم أن أسوأ أيامكَ قد فات.. حين قبضت عليك عرياناً مختنقاً أزرَقَ اللون.. حتى أننا احتجنا الطبيب ليجعلك تتنفس.. وما إن دخل الهواء جوفك حتى أطلقتَ صرخةً عالية أسأل الله في هذه الليلة أن لا تُطلِقَ مثلها أبدا!
وإن نظرت إلى كل الأشياء بعين الرضا… إن استطعت أن ترى الشيء القبيح فتتذوق الجمال الذي فيه فقط كمن يأكل الشوكولاته المغلفة بالملح فلا يحس إلا بحلاوتها من دون الملوحة! إن استطعت فعل ذلك فإن الله سيجعل كل الأشياء الصغيرة حولك مصدر سعادة هائل… حينها فقط ستنام قرير العين!