پومپي

كلكم سمع عن پومپي تلك المدينة الجنوبية الإيطالية الساحرة والتي اختفت من الوجود في بضع ساعات في القرن الأول الميلادي بعد أن دمرها بركان ڤيزوڤيوس وطمرها بأطنان من الرماد، حتى أنه لم يستطع أحد اكتشافها إلا بعد ما يقارب العشرين قرناً ثم استغرقت عملية تنظيفها من الرماد قرناً كاملا ابتدت من القرن الميلادي التاسع عشر..

الغريب والعجيب أن بعض أجساد سكانها ظلت كما هي حيث غلفتها مادة قد تكون من رماد البراكين فأصبحت كطبقة من الحجر عليها، ولذلك تستطيع أن ترى وجوه سكانها أثناء لحظاتهم الأخيرة بل حتى الملابس التي كانوا يلبسونها بتعرجات تلك الملابس والثنايا التي فيها.. الأشد غرابةً أننا لا ندري كيف ماتوا! فلو كانوا قد ماتوا من حمم البراكين.. كيف تبقى ثيابهم ولا تحترق؟! ولو كانوا ماتوا من غازات البراكين السامة.. كيف لا يبدو على وجوههم البحث عن النفس الأخير؟! ذلك الوجه المختنق الذي تذوب وجنتيه وتطبق شفتيه كمدفع يستعد للقصف؟! لا أدري كيف ماتوا!

لكن أحدهم وهو الذي في هذه الصورة يبدو وكأنه ملولٌ يضع يديه الإثنتين على خديه وهو ثانٍ لرُكبَتَيْه.. أو وكأنه يمسح الدموع من على خديه! هو يبدو حزيناً لا شكَّ بذلك.. ولو أنه كان يدري أنه سيبقى هكذا لآلاف السنين حزيناً هل كان سيقوم بمظهر الحزن هذا؟! أعني لو أنه كان يعلم علم اليقين أن آخر صورة له.. تلك الصورةُ التي ستبقى خالدةً له مدى الدهور ستكون صورته حزينا.. هل كان سيحزن أم أنه كان سيختار صورةً أكثر سعادة؟

ما فائدة كل هذا الحزن الذي يبدو علينا.. ربما كان أجمل ما بالحزن أنه علامةٌ يتعاطفُ معها كُلُّ من يراها.. ربما نحن نحتاج لذلك الحزن لأننا نحتاج أن نشعر أن هناك من يهتم لأمرنا.. أننا لسنا وحدنا في هذا الكون الشاسع..

نعم الأرضُ هذه نقطةٌ باهتةٌ لا تكادُ تُرى في هذا الفضاء الفسيح ونحن لا شيءَ فيها.. أنا وأنتَ الآن أعدادٌ فرديةٌ من بين ستة ملياراتٍ من البشر.. من نكون إن جمعتَ معنا كل أهل الأرض السابقينَ واللاحقين؟! لا نكونُ شيئاً! ربما كانت تلك آخر أفكار هذا المسكينِ قبلَ موته.. فشاءَ أن يبدوَ حزيناً حتى لا يبقى وحيداً طيلةَ تلكَ الأزمنة.. حتى نتعاطف معه ونفكر فيما عاناه قبل موته فلا يكونُ وحيدا!

فلا تحزن يا صديقي.. هناك دوماً من يراك.. ليسَ واجباً عليكَ أن تموت حزيناً حتى يشعر بكَ الآخرون.. فهناك ربٌ أقرب إليكَ من حبل الوريد يشعرُ بكَ قبلَ أن تَشعُر!

3 آراء حول “پومپي

  1. مما رأيتُ بعَيْنيّ .. و لا زلت أرى .. ” الحزن يربي الإنسان فيصنع منه إنساناً .. لم أرَ إنساناً عظيماً إلا و سابقه مليئٌ بالأحزان .. الحزن ثمراتُه أبقى و أعظم .. و لكم في رسول الله و آل بيته الطاهرين أسوةٌ حسنة ”
    نعم .. أن لا يظهر أحزانه للعابرين في سبيل الدنيا هذه .. ف لا يستدر استعطاف أحدهم
    أحسنتم كثيراً

اترك رداً على FToom إلغاء الرد