فكيفَ كانت ليلَتُهُ الأولى على هذه الأرض؟
أعني آدَم
بعدَ عز جنة عرضها السماواتُ والأرضُ مَلَكَها كلها وحدَهُ هُوَ!
إنها سِجنُه
هذه الأرضُ لاشكَّ سِجنُه!
مُلقىً بهذه الفلواتِ والوحوشُ حولَهُ…
عرياناً… وهو الذي لم يخبر حرارة الشمسِ وزَمهريرَ الشتاء!
جائعاً… وهو الذي لم يذق طعم الجوعِ من ذي قبل!
خائفاً… وما هو الخوفُ؟! إنه لا يعرفه!
هذا الشعور القبيحُ بالضياعِ إنه لم يألفه قبلاً!
هل لك أن تبحر بخيالك بعض الوقت وتتصور لوهلة أنك هو!
والأدهى أن عليه الإعتناء بحواءَ… قلبه الذي بين جنبيه فعلا!
هي خُلِقَت من ضلعه، والضلوعُ ما هِيَ إلا أسوارُ القلبِ وحَرَسه، تتحمل الصدمات حتى لا يجزعَ القلبُ أو يتأثر!
أما سمعت أن وراء كل عظيمٍ إمرأةٌ عظيمة؟!
يقف مذهولاً أبونا آدمُ! كانت تفاحة واحدةً أكلها فخسر من أجلها كل شيء!
هو لم يخسر النعيمَ فقط! فالنعيم لا شيء إن قارنته بغياب المشاعر الأرضية!
غياب الحزن والخوف والقلق والتوجس من المجهول!
كم يا تُرى كان نادماً في ليلته تلك؟
وهكذا بدأ الإنسانُ حياته بالندم والغربة والشوقِ إلى من حيثُ أتى!
كان شغل الإنسانَ الشاغلَ هو العودةُ إلى من حيثُ أتى!
لم تكن تهمه كل هذه الأرض ومن فيها وما عليها!
أما مَلَكَها آدَمُ كُلَّها؟ فلم تُحَرِّك فيه شيئا! كيف لا وهو مخلوقُ الجنة؟
كان يصلي لربه حتى يعْفُوَ عنه ليأخذه إليه مرة أخرى!
كان يأكل ليسد جوعه حتى لا يشغله عن الدعاء
ويراود زوجته حتى لا تشغله الشهوة عن الدعاء
وهكذا! كانت الشهوات نداء الطبيعة التي لم يلتفت لها الإنسانُ إلا حين تستفحل وتسلب لب الإنسانِ عن صلته بربه! لم تكن الشهوات متعة ونعيما! فالنعيمُ بذهن آدمَ هو الذي جاءَ منه!
هو لا يعشق الجنة لنعيمها فقط بل سعيا للشفاء من أمراض الدنيا كذلك! كل هذه المشاعر الكريهة التي لم يشعر بها من ذي قبل! ما هي الا أمراضٌ نفسيةٌ لن يتخلص منها إلا بالإلتحاق بالعُلى مرة أخرى!
في مخيلته لم يكن الموت حزنا ولم يكن فراقُ الأحبةِ شقاءً! كان الموتُ فعلا وواقعاً سعادته الأزلية!
كان المَوتُ سفينةَ العبورِ إلى من حيث أتى!
إنه الخلاصُ من كل هذا الشر! ومن كل هذه الوساوس! من قيظ هذا الصيف وبرد ليالي الشتاء! ومن الوحوش التي حوله!
كلنا آدم!
جئنا هنا لنعودَ لِجَنَّةِ أبينا!
كيف تغير كل ذلك!
كيف غَفِلنا عن السبب الذي من أجله جئنا هنا؟!
لقد جئنا لنعود!
جدا كلماتك جميله…مبدع..♡
شكرا