رأى قيس ذات يوم كلبا أجربا في البيداء فركض له بلهفة وشوق يمسحه ويقبله فتعجب الناس! حتى رد عليهم قائلا:
رأى المجنون في البيداء كلباً
فجر عليه للإحسان ذيلا
فلاموهُ على ما كان منهُ
وقالوا لم منحتَ الكلب نيلا
فقال: دعوا ملام فإن عيني
رأته مرة في دار ليلى!

نعم كل ما ذكرني بك مهما كان تافها قبيحا بأعين الناس جميل و كل جميل يذكرني بك! أنت الجمال وواهبه في الوقت ذاته! هذا ما كان يقوله المجنون عندما قبَّل حيوانا لا لشيء إلا لأنه مر ذات يوم على جدار ضم حبيبته!

رغم أنني لم أعد إلى المنزل إلا بالثامنة مساء بعد أن غادرته بالخامسة والنصف فجرا ورغم تعبي وحاجتي للنوم حيث يزدحم جدول العمليات غداً ورغم الإنفلونزا اللعينة التي بدأت معي بالأمس محافظة على موعدها معي كل شتاء إلا أن مناسبة الڤالنتاين والحمى المصاحبة له استوقفتني فأبيتُ إلا أن أعبر عما يجول بخاطري، ألقي عصايَ علها تلقف باقي العصي!

بعد أربعة عشرة عاما تنقلت فيها بين مدن بريطانيا وكندا وأمريكا وعاشرت ناسهم فكونت صداقات وطيدة لم أكن زائرا أو ضيفا ولم أكن على هامش مجتمعهم (في اسكتلندا كنت الأجنبي الوحيد الذي يفوز في انتخابات جمعية طلبة الطب بجامعة أبردين!)

بعد أن كسرت رهبة التصنع والتمثيل عندما كنت أشاهد الغرباء بعد أن دخلت في نفسياتهم ولعبت لعبتهم وصنعت ما يفعله الناس في روما! فإن أول ما تيقنت منه أنني أتيت من الحب من بلاد الحب ومن حضارة الحب ومن ثقافة الحب ومن دين الحب لكن الحسرة أن أغلبنا يجهل ذلك!

أنا من ثقافة شخص طبيبها ابن سينا مرضا أسماه مرض العشق!
يقول ابن سينا في علامات هذا المرض: ((وعلامته غؤور العين ويبسها وعدم الدمع إلا عند البكاء، وحركة متصلة للجفن ضاحكة كأنه ينظر إلى شيء لذيذ أو يسمع خبرا سارا أو يمزح. ويكون نفسه كثير الانقطاع والاسترداد فيكون كثير الصعداء. ويتغير حاله إلى فرح وضحك أو إلى غم وبكاء عند سماع الغزل ولاسيما عند ذكر الهجر والنوى. وتكون جميع أعضاؤه ذابلة خلا العين، فإنها تكون مع غؤور مقلتها كبيرة الجفن سميكته لسهره. ويكون نبضه نبضا مختلفا بلا نظام البتة كنبض أصحاب الهموم، ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق خاصة وعند لقاءه بغتة. ويمكن من ذلك أن يستدل على المعشوق أنه هو إذا لم يعترف به، فإن معرفة معشوقه أحد سبيل علاجه. والحيلة في ذلك أن تذكر أسماء كثيرة تعاد مرارا وتكون اليد على نبضه، فإذا اختلف بذلك اختلافا عظيما وصار شبه المنقطع ثم عاود وجرب ذلك مرارا علمت منه اسم المعشوق))

أنا من لغة تعمقت بالحب حتى وضعت له ستة وثلاثين درجة ووصفا وكلمة:
العشق فالهوى فالعلاق فالكلف فالشغف فالشعف فالجوى فالتتيم فالتبل فالتدله فالهيام فالصبابة فالمقة فالوجد فالدنف فالشجو فالشوق فالبلبال فالكمد فالأرق فالحنين فالجنون فالود فالخلة فالغرام فالوله فالرسيس فالجزع فالشهد فالغل فاللهف فالتباله فاللوعة فالداء الخامر وأخيرا السدم!

أنا من ثقافة كان شعراؤها يبدأون أي قصيدة لهم بالحب مهما كان موضوع القصيدة فالعقل بنظرهم لا يتهيأ للفهم إلا إذا عشق وأحب!

أنا من ثقافة لديها بدلا من روميو وجولييت واحد عشرات الروميو والجولييت! عنتر وعبلة، قيس وليلى، قيس ولبنى، جميل وبثينة، كثير وعزة وغيرهم كثر حقيقيون لا أساطير كروميو وجولييت!

أنا من دين الحب من ابن العربي الذي قال: أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني! من دين تعج أدعيته وأذكاره بالحب!

إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً، ومن ذال الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولاً، إلهي فاجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك وأخلصته لودك ومحبتك، وشوّقته إلى لقائك ورضّيته بقضائك، ومنحته بالنظر إلى وجهك، وحبوته برضاك وأعذته من هجرك وقلاك، وبوّأته مقعد الصدق في جوارك، وخصصته بمعرفتك، وأهّلته لعبادتك، وهيّمت قلبه لإرادتك، واجتبيته لمشاهدتك، وأخليت وجهه لك، وفرّغت فؤاده لحبك!

نحن ملوك الحب والعشق! مستعد للإعتراف بتخلفنا في كل شيء سوى الروحانية والعشق! واحتفالي بالفالانتاين اعتراف مني ضمنيا أن الغرب بدأ يسحق حتى البذرة التي تنمو منها شخصياتنا وتتفرع!
لو كنا نباتا لكان الحُبُّ بذرنا!
أصبحنا نستخدم أساليب الغرب في الحب في كل شيء حتى الحب من النظرة الأولى بدأنا ننكره والحب العذري بدأنا نكرهه والحب بإطار الزواج أصبح (دأه أديمة)!
عندما يتخلى الملك عن عرشه ليجلس الرعاع عليه هنا تزول قيمة العرش!

عرش الحب شرقي كان ولا يزال وسيظل شرقيا شاء من شاء وأبى من أبى حتى لو كان القديس ڤلنتاين نفسه!