9

عن الإختبارات والطب وعن شجاعتك

هو الموت فاختر ما علا لك ذكره
فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

كنت دوما أردد تلك الأبيات لكن ليس في مناسبة كمناسبة أبي فرأس الذي رددها أمام حبيبته التي كرهته بعد أن عرض نفسه للأسر من الروم فكرهت شجاعته وإقدامه الذي أبعده عنها! كنت أردد أبيات اللامبالاة هذه أثناء دخول قاعة الإختبار مع الكثير من آيات القرآن طبعا!

أتدري ما هو أكثر شيء تحتاجه قبل الإختبار؟
الشجاعة والثقة بالنفس
ثق بعقلك
ثق بقدراتك
كن شجاعا
أنت تعرف كل شيء! ألم تكن بالمحاضرة أثناء الشرح؟!
إذاً سيخزن مخك المعلومة وسيعطيها لك حين تحتاجها…لكن هناك شرط: أن تتحكم بالقلق الذي ما هو إلا مكابح عقلك!
القلق هو شلل في التفكير!
القلق هو الخوف والخوف مدخل للظلام والجهل!
فلا تخف
لا تخف حتى ينطلق مخك بالسرعة التي أعطاك الله إياها… سرعته القصوى التي لا تظهر إلا حين المحنة… إلا حين الإختبار!

ولن تصل لتلك المرحلة إلا بالشجاعة
كل شيء سهل… لا توجد صعوبة
الملايين من البشر درسوا الطب ونجحوا فيه! أنت بشر! إن فعل الملايين ذلك فأنت قادر عليه كذلك!
أصعب ما في الطب والهندسة وما شابه ليس معرفة المعلومات بل التوتر المصاحب للدراسة، فإن استطعت التحكم بالتوتر ستنجح بشكل يفوق حتى من يدرس بالساعات يوميا! طلبة الطب لم يذوقوا الفشل يوما… فهم لم يدخلوا الكلية الا بعد حيازتهم على أعلى المعدلات لذلك يزداد لديهم القلق لأنهم يظنون أن خسارتهم ستكون مضاعفة إن أخفقوا بالإختبار… وذلك غير صحيح!

لا تذاكر ليلة الإختبار فلا شيء يزيدك توترا مثل مذاكرة ليلة الإختبار.. أقترح عليك أن تخرج مع أصدقائك أو تقرأ كتابا عن الفلسفة أو الطبيعة أو الحب!

مذاكرة ليلة الإختبار ستعطيك معلومات طفيفة لكنها ستشل عقلك بالقلق!

وختاما تذكر أن لا شيء لديك تخسره.. هل سيقتلك الإخفاق بالإختبار؟ هل ستقف الأرض عن الدوران؟ هل سيقف من يحبك عن حبك؟ هذه الدنيا لا إخفاق فيها فكل شيء تجربة وخبرة فإن نجحت كان بها وإن لم تنجح فإنك ازددت خبرة ومناعة!
لا شيء في هذه الدنيا يستحق القلق.. فالقلق جبن وتعاسة!

وتذكر أن أجمل الأشياء هي ليست أشياء مادية كحرف الدال مثلا… ما فائدة ذلك الحرف إن عذبك معه بالقلق والجبن والتعاسة؟ أنت لديك أجمل الأشياء… لديك من يحبك ولديك من تحب… أنت لا تحتاج لشيء أبدا… أنت ستدخل هذا الإختبار وستذهل الجميع بروعة إجاباتك و سيكافؤك عقلك بحسن ظنك به و يرمي عليك بكل المعلومات التي ستحتاج ثم ستخرج منه و ترتشف فنجان قهوة مع من تحب ثم سيصبح كل شيء مجرد ذكرى!

وما نحن سوى الذكريات

1

الحسين للجميع

إن الأبعاد كلها نسبية ووهمية ولعل أكثرها وهما هو الزمن!

إن نمت ألف عام ثم صحوت من نومك ما الذي سيعنيه لك الألف عام؟!

لا شيء!

فلا تلومَنَّ من سجنته الذكرى! ذلك أن الذكرى أهم من الزمن والفَقيدُ ليسَ كَكُلِّ فقيد!

فيا صديقي لا تجعل رفضك لمظاهر الحزن على الحسين مانعاً من معرفة الحسين!

ذلك أن الحسين لخص الإنسانية كلها في ما فعل، لخص الجمال والحب والشجاعة والعز والعشق! ثم أهدى البشرية جمعاء ملحمةً للهدى لم يستطع أحد بعده أن يكتب مثلها! حين كان ينزف دما بعد أن رمي بالسهم في فمه تراه يخرج السهم وتفور الدماء فيلقيها إلى السماء قائلا:
هون علي ما نزل بي أنه بعين الله!

تركت الخلق طُراًّ في هواكَ
وأيتمت العيالَ لكي أَراكَ
فلو قُطِّعتُ في الحب إرباً
لما حنَّ الفُؤادُ إلى سِواكَ

ولا أدعوك هنا أن تقرأه قراءة سياسية ولا أدعوك أن تؤطره بمذهبٍ أو صفة! أدعوك فقط أن تقرأ ملحمة كربلاء، اليوم الذي وقعت فيه المعركة فإنك فيها ستعيش ملحمة إنسانية قل نظيرها. ما بالنا نقرأ ملاحم الإغريق وغيرها لكننا حين نأتي للحسين أحد حفيدين فقط لرسول الله محمد نقف ونُشيحُ وُجوهَنا؟

وإن من أعظم قصص الحسين الإمام العظيم قصص رفاقه وأبنائه!

ذلك الذي كان يجود بنفسه متألما من طعن الرماح وجراح السيوف (مسلم بن عوسجة) فلما أتاه رفيق دربه حبيب بن مظاهر ذلك الصحابي البدري أتاه مع الحسين فحملوا رأسه من على التراب وطلب منه حبيب أن يوصيه بما يحب!

طلب حبيبٌ من مسلم بن عوسجة أن يوصيه بما يشاء ويحب فأشار إلى الحسين وقال: أوصيك بهذا الغريب… أن تموتَ دونه!

أينَ أهلُكَ يا مسلم؟ أين زوجك؟ أين أبناؤك؟ لِمَ لَمْ توصِ بهم؟! ولم توصِ إلا بسبط رسول الله الأكرم الوحيد؟!

وحين كانت زوجة أم وهب المسيحي ترفض قتال زوجها مع الحسين بداية المعركة لكنها أتت بعمود لتقاتل فتعجب وهب! سألها ما الذي غير رأيَكِ؟ قالت فداك أبي و أمي… قاتِل دون الطيبين ذرية محمد! فسألها ما الذي غير رأيكِ؟ قالت: إن واعية الحسين قطعت قلبي! ألا من ناصرٍ ينصُرُنا؟!

وهناك قصة لكل واحد من الإثنين والسبعين شهيدا من أصحاب الحسين وفي كل قصة عبرة وملحمة تحلق بروحك بعيدا. هذه العبر الروحية أساطيرٌ حقيقية لا تفوق حدود المذهب فقط بل حدود الإنسان والبدن والدين… هي عِبَرٌ تفوقُ كل حد!

فلا تجعل خلافك لمذهب أن يمنع روحك من الإستزادة من كنوز كربلاء فإنها للجميع، ليست للشيعة فقط وليست للمسلمين فقط وليست حتى للإنسان فقط … هي للكون أجمع!

كان في معسكر الحسين من قد يكون سنيا اليوم وكان في معسكر يزيد من قد يكون شيعيا اليوم!

0

الرياح والروح وهذا الذي لا يأتي

ذاتَ يومٍ تحدثت مع صديق عن الرياح فقال لي أنه قرأ ذاتَ مرة عن أعمىً يقول أنه يعشق الرياح لأنها الشيء الوحيدُ الذي يستطيع رؤيته رغم أنه أعمى!
شغلت بالي جملة الأعمى هذه ففكرت فيها مَلِياًّ!
وهذه حصيلة الأفكار:
العناصر الأربعة هي الماء والنار والأرض والرياح، فأما أكثرها غُموضاً و سِحراً للأَذهانِ هي الرياح! إنها شيء من الروح ألا ترى الأقدمينَ كانوا يعتقدون أن الروح هي نسمة من الهواء؟ ولذلك تشابهت أصل كلمتي الروح والرياح؟! فكلما كان الشيء قريبا من الروحِ كلما كان أجمل وأكثر غموضا وسحرا! فَكيف تتواصل الأرواح سوى بالرياح؟
هذه الريح تحمل معها سلامَ من نحب وبعضا ممن نحب كشذاه وعطره ربما، ثم إنها تجوبُ الأرضَ كُلَّها بَحثاً عنكَ حتى توصله إليك ، فلربما ذكرك فجأة لمن غاب لا لشيء إلا لأن الرياحَ أوصلت إليك حبهُ وسلامَهُ وعطره؟ بل ولربما كانت الذكريات القديمة تلك لا تُستَثارُ إلا بحركة الرياح هذه!
قد تتصور أنني أحاول الكتابة بطريقة رومانسية فقط عن الرياح لكنني فعلا أعني ما أكتب، فَلَوْ نظرت للحواس الخمس لوجدت أن كلا منها يحتاج وَسَطاً ماديا حتى يحدث الإحساس! فحاسة اللمس تحتاج ذبذبات الإحتكاك بين اليد والشيء الذي تلمسه وحاسة السمع تحتاج الرياح التي تحمل الصوت بل إن الصوت لا شيء سوى الرياح وحاسة الشم تحتاج الرياح التي تحمل جزيئات الشيء الدقيقة فتلقيه فينا وحاسة الطعام تحتاج السوائل التي تذيب الشيء وتفككه حتى تستطيع كيمياء اللسان أن تتذوقه وحاسة البصر تحتاج انعكاس النور على الأشياء! بالمناسبة كان بعض فلاسفة الإغريق يؤمن أن حاسة البصر تحدث من خلال الرياح حين تلقي بعضا من جزيئات الأشياء على أعيُنِنا! فمن أصل خمس حواس بدنية تحتاج الرياح لإثنين منهما بل وتحتاج الرياح لأقربها اتصالا بالدماغ وهي حاسة الشم! لكنني مؤمنٌ بأن الحواس ليست خمسة فقط فهناك حواس لم يكتشفها العلم بعد وهناك ما اكتشفها لكنها ليست مضافة للحواس الخمس كحاسة معرفة وضع الجسم (پروپريوسپشن) فهذه الحاسة تجعلك تتزن من دون أن تحاول ذلك عقليا وحين يموت جزء الدماغ المسؤول عن هذه الحاسة لا تستطيع الحركة المتوازنة!
فإذا كان للبدن المحدود كل هذه الأحاسيس لماذا تستكثر ذلك على الروح اللامحدودة وإذا كانت الرياح مسؤولة عن حاستين من حواس البدن فلا شك أنها مسؤولة عن غالبية حواس الأرواح!
يقول الشاعر الفارسي الشهير جهان الملك ما معناه:
مستعد أن أعطيكَ قَلبي وروحي بكل سعادة إن جلبت لي هذه الريح بعضاً مِن شذى مَن أُحِب
أَشْتَمُّ ذلك الشذى فترتاحُ روحي راحتها الأبدية
فإن لم تجلبي لي يا أيتها الريح بعضا منها
فاجلبي المسك والكافور والعنبر ثم رشي بعض البنفسج والنرجس ذلك عطرها إنها رائحة الربيع
إنها شيءٌ من الجنة!
فاحملي يا أيها الريح سلامي إليه فإن لم أره فإنني على يقينٍ أنه يسمع كلامي ويرد هذا السلام فسلامي عليه وحبي إليه! إن هذا الأعمى كان يرى الريح لأن الريح هي الوسط الذي تحس به الأرواح! إنك لا تحتاج أن تُبصِرَ حتى ترى بِروحِك! وأنا أراكَ بِروحي فلا أحتاجُ أن أُبصِرَكْ يا شيئا من الجَنَّةِ والجِنَّة!

20131111-154809.jpg

0

الدكتورة كفاية عبدالملك وإنقاذ الصحة

عندما كنت طبيب الإمتياز في إسكتلندا عالجت أم رئيس الوزراء غوردون براون و في سنتي النهائية بتدريبي الجراحي في مكجيل قمت بعملية لزوجة رئيس الوزراء الكندي السابق پول مارتن!

لم تكن هناك أي واسطة في أي لحظة، كان علاجهم كعلاج من لم يكن يملك من المال والجاه والحظوة شيئا!

وبينما أكتب ما أكتب الآن تتراكم حولي الأمتعة والأشياء وتتناثر الأوراق ولا أكاد أستطيع أن أخطو في شقتي هذه حيث أنني أحزم أمتعتي للعودة والعمل في الكويت بعد خمسة عشرة سنة من الغربة في سبيل الطب.

ومن المحزن العودة وسط أجواء الظلم الذي حصل للدكتورة كفاية عبدالملك التي رغم عدم معرفتي الشخصية بها إلا أن مهنيتها وعملها الدؤوب يسبقانها. حين كنت أعمل بقسم الإنعاش في جامعة مكجيل ما إن عرف الدكتور ماغدر رئيس القسم أنني من الكويت إلا و شرع بمدح الدكتورة كفاية التي تدربت على يديه وحين وصل إليه بالأمس خبر ما حصل بها تحسر كثيراً أنها لم تجلس في كندا وأنها عادت الى وطنٍ لا يقدر ما تملك.
لكن أكثر ما يثلج الصدر حقيقة هي وقفة الناس والأطباء من أجلها اليوم فإن دل ذلك على شيء إنما يدل على زيادة الوعي والرغبة الشعبية العارمة في القضاء على الظلم والفساد.

إن ما حصل للدكتورة كفاية غير مقبول إطلاقا ولا يوجد أي عذر له! ليس من حق أحد نقل طبيب من مكان عمله بالذات إن كان الطبيب مبدعا فيه بل حتى وإن أخطأ فالمحاسبة ليست بالنقل. إن عقلية إدارة موظفي الدولة لا تنطبق على الأطباء، عقلية تجميد مدير بنقله إلى إدارة غير مهمة، عقلية لا علاقة لها بالطب إطلاقا. وإن كُنْتُمْ علمتم بما حصل لها فهناك مئات الأطباء المظلومين الذين لا يقف معهم أحد وخذ قضية الدكتور عبدالمطلب بهبهاني مثالا.

إن الطبيب الكويتي يعمل في ظروف قاسية جداً فيكفي أنه يقوم بالعمل من دون تأمين والذي يعتبر حقاً أساسيا من حقوق الأطباء، إن عمل الطبيب من دون تأمين كعمل الإطفائي الذي لا يرتدي لباس الإطفاء، وكسفينة هائلة في عرض البحر من دون قوارب نجاة. الطبيب الكويتي يعمل يوميا زيادة على ساعات عمله من دون مقابل ويعمل ليلا وفي الأعياد بكل رحابة صدر من دون أي سند وكل ما يطلبه السياسيون منه الغرف الخاصة للمتنفذين والسماح للعلاج بالخارج للمقربين وإذا لم يرضخ الطبيب لذلك يقومون بإذلاله أقصى ما يكون الذل.
وليكن في علم الناس أن غالبية الأطباء لا يقومون بعملهم المضني من أجل المال والجاه والشهرة بل حبا في الناس ولا شيء يعشقه الطبيب مقدار عشقه لدعاء المرضى والإبتسامة على وجوههم ولا أكتب كلامي هذا مبالغة إطلاقا!

لكن على الأطباء أن يستوعبوا كذلك أن مكانتهم لا يمكن أن يجلبها السياسيون ولا المال ولا الإعلام بل إن مكانتهم هي من حب البسطاء من الناس، لذلك عليهم الإبتعاد عن ركوب (باص) السياسيين وتبيان أن اعتصامهم للدكتورة كفاية هو لها ولكن بالدرجة الأولى هو احتجاج على نهج وزارة الصحة الذي يؤدي الى تردي الرعاية بصحة الناس.

ختاما الهجوم على الوزير ليس حلا، الوزارة جثة تنازع الروح والحل بثورة صحية، الحل بمؤتمر إنقاذ صحي يشارك فيه خبراء محليون وعالميون تُنَفَّذ توصياتُه ولا شك أننا نحن الأطباء قادرين على تنفيذ مثله إن قامت الوزارة بدعمه.

9

عن القلق والأرق

إن الحزن شعور جميل لا يعني التعاسة دوما! إنه يكنس القلب من شوائبه كما تكنس الرياح أوراق الخريف المتكسرة من على قارعة الطريق! إنه الكبريت الأحمر الذي ينقي كل المشاعر من أوهامها التي لا تنتهي!

لكن القلق أسوأ المشاعر إطلاقا! ذلك أن القلق خوف من المستقبل والمستقبل خيال لا حقيقة فيه ولا شيء أسوأ من الخيال الممزوج بالخوف… فالخوف نار وقودها الخيال… إنه لا ينطفيء أبدا إلا إن سيطرت على خيالك الذي لا حد له!

كل شيء إن استغرقت في عمله فإنه سيرهقك!
لكن الإرهاق البدني حين يُجهِدُكْ فإنك تتعب ثم تنام مرتاحا قرير العين، أما التفكير فإن إرهاقه قاتل جداً حيث أنه لن يدعك ترتاح أبدا! وفي هذا الزمن يقلقنا كل شيء لأننا نجعل لكل شيء تافه قيمة عظيمة لا يستحقها! و نعطي حتى لأنفسنا قيمة مهمة مصدرها الغرور والإعجاب بالنفس! ما الذي سيجري إن لم تظهر بمظهر جميل في مهمتك غداً؟ تلك المهمة التي استغرقت أشهرا بالتفكير بها سلبت منك النوم ليال طوال؟ وجعلت منك وحشا كاسرا مع من تحب؟! ذلك عدا أعراض ألم البطن الذي شخصها طبيبك الطاعن بالسن على أنها قولون عصبي و الحموضة التي شخصها طبيب آخر على أنها ارتجاع بالمريء؟!

ما الذي سيتغير من نتيجة ذلك العمل؟
ستستمر الأرض بالدوران
ستشرق الشمس
و ينير القمر
وتجري الرياح تداعب الأمواج وترغم الغيوم على المطر
ثم تأتي الفصول حارة بالصيف باردة في الشتاء بعدما عرت أشجار الخريف
ثم يأتي الربيع بأزهار النوير الصفراء في صحراء بلادك الرائعة
و يأتي عام يتلوه عام ثم ترحل من هنا تاركا ذكراك دون القلق الذي سلب منك سعادتك!

لو جمعت قلق البشر كلهم… أولئك الذين عاشوا على هذه الأرض لآلاف السنين فإنه لا يساوي شيئا الآن! كل قلقهم وآلامهم انتهت ذات النهاية! رحلوا و بقيت الأرض تدور كما كانت تدور!

كل مرة يقلقك شيء تخيل أسوأ السيناريوهات و قل لنفسك انك مستعد للأسوأ دوما! كن شجاعا فلا شجاعة تعادل تخيل الأسوأ والقبول به! فاز باللذات من كان جسورا!
و لا شيء أسوأ من الموت بموازين الدنيا هذه لكننا إذ نرحل من ها هنا فإننا نفد على من خلق ضحكات الأطفال وقبل العذارى و قلب أمك حين كان يسقط على الأرض خوفا حين تتعثر؟! كيف يقلق أو يخاف الوافد على من خلق كل هذا؟!

ذات يوم دخل علي العيادة أبٌ وابنه، كان يريدنا أن نجري عملية لإبنه العشريني! فسألته عن تاريخ ابنه الجراحي فأخذ يسرد لي التفاصيل عن عملية القلب المعقدة التي أجراها ابنه في عامه الأول! وأخذ يسترسل بالشرح ثم وقف فجأة وقال (ولقد حرقوا جزءا من فخذه أثناء إحدى الفحوصات ولم يكد يبلغ أسبوعه الثالث) وقد كان متأثرا والدمع في عينيه وكأن الحرق يجري أمام عينيه الآن! فقاطعت الأبَ والتفت للإبن، قلت له هل تتذكر؟ فضحك قائلا طبعا لا أتذكر شيئا! فقلت له أنظر إلى أبيك كيف يتحدث عن ذلك بقلب يعتصره الألم وكأنه حدث للتو؟!
كيف يقلق من يفد على خالق قلب هذا الأب؟!

يقول نيتشه على لسان زرادشت:
ليس عملا سهلا هو النوم، على المرء أن يهيأ نفسه له بالصحو طوال النهار
عشر مرات في اليوم عليك أن تتجاوز نفسك فذلك يمنح تعبا جيدا! هو زهرة الخشخاش المهدئة للروح!
عشر مرات عليك أن تتصالح مع نفسك، ذلك أن مغالبة النفس مرارة!
والذي لا يتصالح مع نفسه نوما قلقا ينام!
عشر حقائق عليك أن تجد في نهارك و إلا فإنك ستبحث عن الحقيقة في ليلك أيضاً!
عشر مرات عليك أن تضحك في يومك و إلا ستكون حزينا لا تنام في ليلك!

أما أنا فحين تباغتني صنوف الدهر فإني أذكر اسمك ولا شيء أجمل منك! أنت لم تتركني وحيدا يوما! كيف يحزن من كنت معه؟

هيا قم و انفض عنك وهم الخوف لقد مرت على الإنسان أسوأ لياليه حين كان آدم وحيدا في ليلته الأولى خائفا من هذه الأرض الموحشة التي لم يخلق لها ولم تخلق له!
انفض غبار الوهم و تطلع لجنة أبيك آدم فلقد خلقت الله فيها ولها!

1

رد مختصر على اتهام دوكينز لنا بالجهل

في مقال لريشارد هوكينز ينتقد فيه جهل المسلمين يقول فيه إن هؤلاء المليار والنصف لم يفز منهم بجائزة نوبل سوى ١٠ وإن استثنيت جوائز نوبل للسلام يبقى منهم خمسة فقط ربما! بينما فاز بها ١٢٠ يهوديا واليهود اقل بكثير من المسلمين! ثم يقول ان كلية واحدة من كليات جامعة كيمبرج وهي كلية ترينيتي فاز منها ٣٢ عالما بجائزة نوبل!

بداية أتعجب من شخص ملحد يصنف العلم والعلماء على دينهم! فالعلم لا دين له!

يا بروفيسور دوكنز لم تجد سوى جائزة تبرع بها مخترع الديناميت الذي قتل مئات الآلاف من البشر هذه الجائزة التي تعبر بأبهى تعبير عن مزاوجة الحضارة الغربية بين العلم والمال والسلاح والقتل عن استخدام العلم للقتل! لم تجد سوى هذه الجائزة لتبرهن على جهلنا؟!

ثم إن ما يحصل بالمسلمين من جهل الآن لا علاقة له بدينهم بل باحتكار وسائل العلم وثقافة العلم ومنهج العلم لدى الغرب! فها هي الصين ذات المليار ونصف تعجز عن تحقيق جوائز نوبل رغم نهضتها العلمية والإقتصادية الهائلة! كم مسلما استطاع التقديم لجامعة كيمبرج فذلك يحتاج الى القبول في ثانويات عريقة معينة وقبول تلك الثانويات للمسلم المتمسك بثقافته الشرقية شبه استحالة! وان قدم أوراقه الى تلك الجامعة فمن شبه المستحيل قبوله حتى ان حقق المعدلات المطلوبة! فالدراسات في شأن ذلك واسعة تبين التمييز الغير مكتوب ضد الأقليات بشكل عام! وان دخل مسلم هذه الجامعات وحقق الدكتوراة في مجاله فقبوله كأستاذ من سابع المستحيلات!

كيف يمكن ان تنشر بحوثا لها قابلية الحصول على جائزة نوبل من دون الدخول في هيئة بحثية متكاملة كتلك التي توجد بكيمبرج وغيرها من الجامعات العريقة!

إذاً العلم محتكر والحصول على نوبل مقتصر على طبقة معينة! على ناد معين لا يمكنك الدخول اليه الا ان كنت من ثقافة وباكغراوند معين!

نحن لا يمكننا كمسلمين فعل ذلك في أرضنا فمؤسساتنا البحثية لا زالت غضة طرية والوصول لثقافة جائزة نوبل يحتاج لمؤسسات ذات تاريخ بحثي يتجاوز مئات السنين! فالإرث الذي نحمله من الاستعمار والإمبريالية ثقيل جدا، أنتم أيها البريطانيون استعمرتمونا لقرون واستعمرتم الهند والصين لمئات السنين كذلك! فامتصصتم مواردنا دون المشاركة في مواردكم العلمية!

جائزة نوبل لو كانت موجودة أثناء عصورنا الذهبية لكنا فزنا بها مئات المرات بالفلسفة والطب والإقتصاد والرياضيات والفيزياء والكيمياء والسلام كذلك! دار الحكمة في بغداد بالقرن العاشر الميلادي قبل ان يكون لبريطانيا أي كيان! كانت اول مركز بحثي في العالم وشاركنا فيها كل الأديان فهذا حنين بن إسحاق المسيحي خرج من مؤسساتنا التعليمية وفي قرطبة خرج موسى بن ميمون الفيلسوف اليهودي!

نحن حين ملكنا الأرض شاركنا فيها كل شعوب الأرض وأديانه دون احتكار!

ختاما اتهامك للطلبة المسلمين بمقاطعة محاضرات التطور في كليات الطب البريطانية مردود عليه! فالمسعودي وفلاسفة إخوان الصفا ذكروا هذه النظرية ألف عام قبل دارون نفسه! وحين كنت طالبا بالطب في بريطانيا حضرت والمسلمين كل تلك المحاضرات!

باختصار مقارنتك هذه بيننا وبين غيرنا ما هي الا مقارنة عنصرية جاهلة! حددوا مقاعد لنا في جامعاتكم العريقة كطلبة وأساتذة وسترون ما سنفعل!

32

لمن سألني عن الطب

كم تمنيت لو كنت مكانهم! هؤلاء الفتية والفتيات خريجي المدارس الثانوية!

كيف لا و الحياة كلها أمامهم! هم لم يفقدوا الحلم والخيال بعد! مازالوا يشكلونها في مخيلاتهم ويتصورونها ربما قصصا لا يملون منها!

هل تعلم أجمل ما في هذه الحياة؟
أنك لا تستطيع التنبؤ بها!

وكلما زادت قدرتك على التنبؤ بها كلما قل جمالها! وكلما زادت قدرتك على التنبؤ بها كلما قلت التحديات! فحينها تكون مستعدا ولن يباغتك عنصر المفاجأة!

هذا هو سر الشباب: التحدي والغموض والمفاجأة والتوق إلى لقاء مستقبل مجهول!

فلا تنكرون علي إن وددت أن أحل محلهم ولا تتهموني بالمبالغة!

هذه مقدمة لأرد بكل إيجاز عمن سألني عن تخصص الطب البشري

لا تدخل الطب إلا إن كانت تلك رغبتك أنتَ فهو من بين كل علوم الدنيا ليس علما وليس شهادة بل طريقة حياة، أغلب تخصصات الجامعة الأخرى ستخرجك عالما بها لكنك ستظل أنت كما أنت ستقوم بكل ما تشاء وكيفما تشاء إضافة الى عملك بالتخصص الذي درست به! سيكون عملك شيئا ثانويا، أحد الأشياء الأخرى في حياتك!

في الطب ستتغير حياتك رأسا على عقب خصوصا إن اجتهدت في تخصصك ما بعد التخرج من الكلية!

ستصبح الطبيب وباقي الأمور ستصبح هوايتك… نعم ستصبح كل الأمور الأخرى ثانوية ليس لعدم اهتمامك بها بل لأنك لن تستطيع غالبا فعل ذلك!

ربما تغيب عن عرس صديق عز أن تملك مثله! ربما تتخلف عن جنازة من تحب! ولادة من تحب أو حتى ولادة مولودكَ أنت!

أنتَ لستَ أنت حين تصبح طبيبا!

لكن كل ذلك ألم جميل! سيصبح الشعور بالألم هذا جميلا لديك! هو لن يحرك فيك مشاعر التعاسة إطلاقا!

هنا دعني أحدثك بسر:
التعاسة شعور مصدره أي شيء! حتى الفرح قد يؤدي الى التعاسة! التعاسة تتولد منك أنت فقط! من طريقة تعاملك مع كل ما تحس به!
يقول الشاعر الانجليزي الشهير ميلتون:
العقل هو مكان بحد ذاته! هو قد يحول الجنة الى نار والنار الى جنة!

ألم الطب هذا والفراق والغربة والبعد عن الأحباب وموت مريضك و ايقاظك في منتصف ساعات الليل لفحص بطن أحدهم أو إجراء عملية لا تتحمل التأخير! كل هذه الآلام ستصبح مصدر سعادتك!

وعندما أشرح لك هذه الأشياء فليس لرغبتي في إبعادك عن هذا المجال! كلا! بل رغبة مني في ترغيبك به! فلا أجمل من السعادة رغم الألم!

وهناك أشياء أخرى تعرفها كمدخولك المادي الجيد واحترام الناس وقدرتك على العمل في أي مكان وأي دولة تشاء! لكن هذه أشياء لا تقارن أبدا بمتعة السعادة وسط الألم التي أخبرتك بها!

الطب كذلك ساحة معركة! ستكون جنديا وسط حرب شعواء! خصوصا ان اخترت تخصصا دقيقا يجعلك تعالج الموت بيديك كتخصص الجراحة!

ستمر لحظات عليك تشعر فيها بالآية القرآنية التي تصور بلوغ القلوب الحناجر حين الخوف!

عندما يموت مريضك بين يديك أثناء عملية تجريها أو عندما يجرون سريرا في غرفة الحوادث لشاب في مثل عمرك والدماء تسيل منه بعد حادث سيارة مهول وأنت لا غيرك مسؤول عن إيقاف النزيف رغم صعوبة ذلك! عندها ستحس بمشاعر لا يحسها أحد! كل أصدقائك وأهلك ورفاقك لم يحسوا بها أبدا بل قرأوها ربما!

الشعور بالضياع والقلق والسقوط … والتمني لو أنك كنت الآن في مكان أفضل بين من تحب بدلا عن ساحة الدم هذه! يتبعه قرار بطرد مشاعر الخوف هذه وتصرف آلي بفعل الواجب رغم صعوبة كل ما تقوم به لكنك تفعله! ستذهل مما تفعل وتكتشف كل طاقاتك الكامنة!

ستلتقي بالموت! ستكتشف ضعف الإنسان!

سترى الموت يلاقي الجميع بنفس التحية وذات العناق!

لن يفرق بين غني وفقير! بين عاشق أو قاتل يملأ قلبه الكره! لن يفرق بين جميلة حسناء وامرأة قاربت عامها التسعين!

هذا الموت رسول من رسل الله والله لا يفرق بين عباده في شيء! ستتعلم حينها العدل والمساواة في كل شيء! وسَتَخبُرُ حينها أن هذه الحياةَ لا شيء!

إنها تنتهي في لحظات ثم بعدها تستمر الحياة كما هي!

ستصدر أنت شهادة وفاة مريضك وتذيلها بتوقيعك بقلم ذو حبر رديء ربما! أو آخر فخم غال الثمن! لا يهم فالنتيجة واحدة: أعلنت وفاة إنسان ثم رفعت عينك من الورقة ورفعت عينك من وجه الميت ثم أسدلت جفونه لتكون آخر إغماضة في حياته! ثم اتجهت لشأنك… لكوب قهوتك ربما أو اتصال عليك تَلَقّيه! حينها ستعلم أن الحياة هذه تمر مرور السحاب فلا شيء فيها يستحق القلق! ولا شيء فيها يستحق الفخر والتكبر! ستموت أنت يوما هكذا فلا تملأ الدنيا صخبا!

لن تجد مهنة تجعلك تعيش كل هذا! ألا ترى أن العرب قديما أسموا الطبيب حكيما؟

2

شيء عن الوهم وشيء عن الطمأنينة

خلق الله الإنسان ليعيش في الجنة! ألم يكن أول مخلوق آدم؟ ألم تكن أول سكنى له الجنة؟
وما عذاباتنا بهذه الدنيا إلا لشيء واحد: أننا لم نُخلق لها! لبردها وحرها! حزنها وفرحها! جوعها وعراها ولم نخلق لوحوشها من الحيوان ومن ناسها!
الدنيا دار مليئة بالمشاعر المتناقضة والأشياء المتناقضة وسعادة الإنسان في الرضى في العيش ببال صاف ومرتاح!
وما هو البال المرتاح؟
هو الشعور بالطمأنينة والطمأنينة هي شعور يلغي كل شعور آخر وبذلك يلغي حالات الإنسان المتناقضة، هو شيء واحد يغنيك عن كل شيء! هي إكسير الوجود فبها تعيش جناتك على هذه الأرض حيث تصبح الموجودات كلها واحدة والرغبات كلها واحدة والسعي لا لشيء إلا لشيء واحد!
ألم تر الله يقول في كتابه
يا أيتها النفس المطمئنة ادخلي في عبادي وادخلي جنتي

دعني أزيدك من الشعر بيتا

إن كل أحلامنا وطموحاتنا هي لا لشيء إلا للوصول لتلك الطمأنينة

فكل شيء نسعى إليه ما هو إلا سراب والحقيقة هي الطمأنينة

كم من حلم سعيت إليه وحسبت طموحك سيقف عنده وأنه سيكون مصدر السعادة التي لا تنتهي فما إن حققته ودبت في عروقك بعض الپيكوغرامات من الأدرينالين حتى زال الحلم وطفقت تبحث عن غيره؟!

كإبراهيم الخليل رأى الشمس قال هذا ربي فلما أفلت قال لا أحب الآفلين

نحن نسعى ونحلم لأننا نبتغي الوصول للسعادة التي لا تنتهي ولا شيء يعطيك سعادة لا تنتهي سوى الطمأنينة!

أو تدري أن خلايا الإنسان وأعضاءه تنشدها كذلك وأن مصدر الأمراض كلها هي فقدانها! نعم فأول درس في كلية الطب هو تحقيق أنظمة الإنسان الداخلية للهيموستاسيس )hemostasis(
وهي حالة من التوازن في خلايا الجسد وباختلال هذه الحالة تبدأ الأمراض فكل شيء من سرطان وميكروبات وغيرها تسبب الأمراض بسبب إخلالها بأنظمة الهيموستاسيس بأنظمة الطمأنينة الفسيولوجية!

الموت ما هو إلا حالة من فشل هذه الأنظمة فشل الطمأنينة! فلا تمت روحك وأنت حي ترزق! لا تقتل طمأنينة روحك في السعي خلف السراب والوهم واجعل سعيك للحق والحقيقة!

فالفرق بين الحيوان والإنسان أن الحيوان لا يدري ما يسعى إليه فلا هدف له سوى إشباع رغباته من دون هدف ومن دون قدرة على الشعور بالطمأنينة حيث يستدعي ذلك أقصى درجات العقل بينما أعطانا الله العقل لنستوعب به أن الأشياء كلها وهم و سراب وأن الطمأنينة هي الغاية!

فانفض عنك يا أيها العزيز غبار الوهم وهديء من صخب الأمواج المتلاطمة على شاطيء عقلك دع هذه الأمواج تأتي وتروح دون ضجة!

20130426-002558.jpg

6

محمد رسول العشق: تعليقا على ماراثون بوسطن

ليت شعري هل ارتقى ذروة الافلاك أم طأطأت له فرقاها

يتساءل الشاعر هنا هل عرج النبي محمد الأكرم إلى السماوات أم أنها هي التي انخفضت له فداس عليها؟
ومن حق الشاعر أن يتساءل ذلك حين يكون العظيم بل أعظم ما خلق في الوجود كله هو المعني! هل تعلم ماذا يعني أن محمدا أعظم ما في الوجود؟ أي أنه يمثل الخير بدرجته العليا في كل جوانب الخير! وما هو الخير سوى الحب والرحمة والجمال؟ أليس ذلك ما يتبادر بذهنك أنت حين تسمع هذه الأحرف الثلاث…خير؟
فمحمد ملؤه الحب والرحمة بل لا يفوقه مخلوق حبا ورحمة وجمالا فهو الإنسان الكامل الذي لا يماثله إنسي!
وعشق محمد هو العشق الحقيقي الذي لا حلم ولا وهم فيه لأنه عشق الكمال المطلق الذي ما خلق الإنسان إلا ساعيا إليه بالفطرة! لقد جعله الله لنا حتى نتيقن أن الحب حق وواقع لا حلم ووهم!

ولو خيرت بين كل ما ملكته بهذه الدنيا وكل الشهادات الورقية التي أفنيت شبابي في طلبها وبين أن أكون مؤلفا لبردة البوصيري أو أشعار حسان بن ثابت بمدح النبي لاخترت الأشعار في مدح النبي بل وزدت في طلبها حياتي ثمنا وما أنا بمدع اتباعي له حقاً وفعلا لكنني أحد أولئك العاشقين الذين لا شيء لديهم… الذين خلت أيديهم من كل شيء سوى من حب محمد ومن أحب! وحسبي أن حبه شافع مشفع!

لا تخف من أسى القيامة هولا * كشف الله بالنبي أساها

وما هاج قلمي شيء سوى ما أرى وأسمع حولي من جهل مسبق ومتعمد وغير مسبق ومتعمد بوصم كل ما هو قبيح ووحشي بالإسلام وبنبيه نبي الرحمة والحب!

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهوالذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم

في عام ٢٠٠٤ بشهر مارس حين حدثت تفجيرات قطارات إسبانيا كنت طالبا زائرا لجامعة بريتيش كولومبيا بڤانكوڤر بكندا وقمت بالعمل لأربعة أشهر بجراحة الأطفال بمستشفاها حيث كانت جراحة الأطفال هي ما شدتني للدخول بتخصص الجراحة العامة بالبداية! كان معي بالفريق طالب كندي من أصل صربي بوسني قُتل أبوه بالحرب الأهلية بالبوسنة وكان معنا أيضاً طبيب من أصل يوناني قبرصي هاجرت عائلته بعد تهجير الأتراك لهم بقبرص! ولأنهم اعتقدوا أنني واسع الصدر بدأوا بالهجوم علي من كل حدب وصوب!
أنظر إلى دماء الأبرياء بالعالم كله ولن ترى سوى المسلمين يسفكونها!

وفي عام ٢٠١٢ بكليڤلاند عملت مع جراح بالجيش الأمريكي خدم لسنتين بالعراق وأفغانستان وهو مسيحي
متدين يقرأ كتاب مزامير داود من العهد القديم كل صباح! وكلما سنحت الفرصة أخذ يحدثني عن الفظائع التي رآها وتساءل لماذا هو الإسلام وحده من ينتج هؤلاء الوحوش؟!

تعالوا يا زملائي لأحدثكم حديثاً لا تنسوه أبدا

لن أحدثكم عن فظاعات جيوشكم فبنظركم إرهاب الدولة حلال زلال وإرهاب الضعاف مر

ولن أحدثكم عن ملايين المسلمين المضطهدين الذين لا يستطيعون رفع رؤوسهم والتحديق عاليا بالسماء فقد داستها أقدام حكامهم الذين لا سند لهم ولا عز إلا بدولكم يا أدعياء الحرية

إن الجهل والذل هما أعداء الإنسان حقاً وأكثر ما يبعث فيه مشاعر العدوان الكريهة والمنكرة ولا سبب لجهلنا وذلنا سوى أنفسنا وقرون من الإضطهاد على يد حكام ادعو الحكم باسم الإسلام ومحمد وهم منه براء! فاستخدموا اسمه زيفا وادعاء! ومن يذلنا اليوم هم حتما من تسنده جيوشكم وأموال الضرائب التي تدفعونها! عندما كان شاه إيران يقتل الآلاف المؤلفة بالشوارع كان جيمي كارتر يصفق كأس الشامپانيا معه بطهران ويعلن أن الشاه حقق التطور والتقدم لبلده وجعلها واحة أمان بين سباع ضارية!

لن أحدثكم بكل ذلك

لكنني سأحدثكم حديث عشق فاسمعوا

محمد الذي خرج داعيا قومه لم يكن نبي حرب بل نبي عشق وجمال! جوعه قومه وحاصروه هو وأهله حتى أولئك الذين لم يسلموا بشعب صغير بصحراء قاحلة! ثم قتلوا أصحابه تعذيبا فلما حاولوا اغتياله هاجر ولم يتركوه وشأنه بل شنوا عليه الحرب تلو الحرب وهو بمدينته فلما فتح مكة لم يسفك قطرة دم بل صاح بهم اذهبوا فأنتم الطلقاء!
عشرين سنة يعذب ويحارب ويضطهد هو ومن معه فلما ظفر بهم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء! لم يفعل نبي ذلك أبدا! وهذه توراتكم وانجيلكم أمامكم فأخبروني؟ هم قتلوا عمه حمزة وأبناء عمه وحاولوا اغتياله بأربعين فارسا فلما ظفر بهم لم يقل كلمة غير اذهبوا! أي رحمة وأي حب أعظم من ذلك؟

أو تعلمون ما يقوله علي الذي رباه النبي في كنفه:
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت

حتى النملة يستحون من سلبها حقها!

فما بالك بقتل الأبرياء من الناس

-عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمارة قال: أظنه – عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبدالله الصادق قال: كان رسول الله ص: إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغلواو لا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا) ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرا

هذا هو محمد هو رمز الحب والخير والجمال فهؤلاء الذين يدعون اتباعه ثم يقتلون الأبرياء ما هم منه في شيء بل هم أكثر من يسيؤون إليه!
أما أنتم فلا رجوى منكم لأن إعلامكم آمن بصراع الحضارات وزرع في أنفسكم أنكم جنود الحرية والعلم وأننا جنود الجهل والظلام!

سيأتي يوم تعم الحرية بيننا وترجع إدارة شؤوننا لأنفسنا وحينها سترون مدى الحب الذي تمتلؤ به صدورنا فنحن الآن بأوطان ما هي إلا سجن كبير! كيف تطلب من سجين مشاعر حب وجمال؟

20130426-002735.jpg

0

العشق والطائفية

يتحدث الناس عن العاشقين عن عنتر فارس الفرسان الذي فعل كل بطولة لا لشيء إلا ليزوجونه من محبوبته التي هي من لحمه ودمه بالأساس ابنة عمه!

لكن قصة العشق الأسطورية التي يتحاشى الكثيرون الحديث عنها أو قد لا يلتفت الكثيرون لها هي ما تحدث بداخل كل واحد منا كل يوم! هي عشقنا لأنفسنا!

نحن مستعدون أن نفعل كل شيء لنرضي هذه النفس ونشبع شهواتها! حتى إن أدى ذلك لقتل أرواحنا وأجسادنا!

هي آلهتنا التي نصلي إليها ونذكرها ليس خمس مرات فقط بل في كل حركة وسكنة من سكناتنا! نحج إليها ليس مرة بالعمر فقط بل هي كعبتنا التي نطوف حولها في كل حين!

قيسٌ قبل الجدار الذي ضم ليلى! نحن نحب كل شيء له أي علاقة بأنفسنا! نحب أهلنا ومن يحمل اسم عائلتنا حتى لو كان بعيدا لم نره أبدا! نحبه لا لشيء إلا لإرتباطه بنا!
نعشق من يشارك نفسنا الفكر والدين! الدين نفسه كاملا ولو اختلف معنا مقدار بمعشار معشار واحد بالمئة لكرهناه!

نعم أيها السادة نحن الآن نعيش ذروة العشق في الوطن العربي وعالم الإسلام! الطائفية التي تشاهدونها هي ليست سوى نتيجة لرهافة أحاسيسنا ورقة مشاعرنا وفرط عشقنا لأنفسنا! والعشاق مجانين بطبعهم ومع جنون العشق يزول العقل وكل ماله صلة بالعقل! نحن بهذا الزمن فقنا عنتر فروسية! نقتل من يخالفنا العقيدة ننتحر لنقتل من يخالفنا معشار معشار العقيدة!

لا… أُسكت قِف عن الكتابة! دعني أوضح لك محمد!
الإختلاف بالعقيدة أكبر من ذلك بكثير! ليس معشار معشار! سأعدد لك ألف ألف فرق!

عزيزي

بَسِّطُ الأشياء! أنظر الى الغابة ولا تنظر الى تفرعات أشجارها حتى لا تبتلعك هذه الغابة!

في الطب من لا ينظر الى أساس الأشياء يصبح طبيبا سفاحا! الطبيب الذي يُشاهد الأعراض ولا يبسطها يتحول الى قنبلة نووية تمشي على الأرض!

الاختلاف بين جينات القردة وجيناتنا نحن ليس أكثر من واحد بالمئة! الناس كلهم إخوانك فإما أخ لك بالدين وإما أخ لك بالإنسانية! أُخرٌج من فقاعة نفسك لترى أننا جميعا واحد! أنا وأنت ومحمد العريفي والدالاي لاما و الناس بأدغال أفريقيا كلنا واحد! لأن الله الذي خلقنا أهدانا ذات العقل بذات الفطرة بذات الأحلام! لكن العشق للنفس دمر كل شيء!

هذه الحساسية الشديدة من كل ماله علاقة بما يخالفنا بالدين من أين جاءت إن لم تأتي من العشق الغبي المجنون لأنفسنا؟! أصبح الإنسان يُخفي إعجابه بحكمة قالها فلان أو شعر قاله فلان حتى لا يُتهم بأكثر التهم شيوعا في الزمن الرديء هذا! تهمة الطائفية التي أصبحت فاكهة المواسم كلها بل أصبحت كالقهوة تأتي بكل حجم وعلى أي هيئة باردة أم حارة! مع سكر أم بدونه! عربية ونجفية وأمريكية وتركية! فراباشينو كاباتشينو ماكياتو هالف لاتيه سكيني لاتيه! اللي تبي موجود!

يا ليتنا نعامل بعضنا البعض كما عامل المسلمون الأوائل الكفار! لم يكرهوهم بمقدار كرهنا لأبناء ديننا الواحد! بل رغم تنكيل الكفار بالرسول وآله وصحبه وفعلهم به ما لم يُفعَل بنبي قبله، دخل مكة وظفر بهم فلم يقل شيئا إلا… اذهبوا فأنتم الطلقاء!
لا أعتقد أن هناك موقفا يمتليء رحمة وعطفا وعفوا و ترويضا للنفس بالتاريخ كله يفوق موقف الرسول بفتح مكة!

نعم بلغت الأمور من السوء حتى فاقت معاملة المسلمين الأوائل للكفار معاملتنا لأبناء ديننا حُسناً!

ولا أجد تفسيرا لذلك سوى عشقنا لذواتنا الذي جعلنا ننحدر لمستوى من الجنون والجهل والغباء لا مثيل له في أي تاريخ!

مبروكين كل رجالنا تعنتروا وكل نسائنا تعبلوا!