2

كان في هذه الدنيا عابرَ سبيل..

هُناكَ من يأتي لهذه الدنيا مثلنا وهناكَ من يأتي ليكون درسا لمن هو مثلنا.. ليكونَ مصدر اطمئنانٍ لنا بأن الخير لا يزول من حولنا وأن السعادة ممكنة من دون الإنقضاض على الدنيا و ما فيها.. هذا النوع من البشر المملوئينَ خيرا لا يزاحمونَ البشر في ما بين أيديهم.. فهم كالغُرَباءِ وعابري السبيل.. تراهم فلا يثير مظهرهم فيكَ شيئا، فلا الصحف تتحدث عنهم ليل نهار ولا كانوا من أولئك الذين يعشقون الأضواءَ وضجيجَ البشر.. هم في الحياة من حولنا ككل الأشياء الجميلة.. فلا يمكن أن تستمر الحياة من دون وجود جمالهم..

هكذا كان الجليل حسن حبيب السلمان.. رجلا لا يعرف مآثره أحد سوى القلة القليلة.. رغم أن عدها وإحصاءها لا يقوى عليه أحد.. فكنتَ تراه هكذا ولا تدري ما هو فعلاً.. ولا تدري جمالَهُ فعلا.. كنجوم الليل وقمر الليل دوماً هنا فنعتبر جمالهم شيئا طبيعيا لا نلتفت له كل يوم.. وكان أعلى ما فيه ليس صوته بل فعله للخير والأيتام و أعظم ما لديه ليس السطوة والحظوة بل ابتسامَةٌ هادئة لا يمكن وصف مفعولها إلا لمن فقدها.. كان عابر السبيل الذي لم يأتِ لهذه الدنيا أو من أجل ما بها.. لأن ما يفعله ليس فعل من يريد المكوث والبقاء فيها..

حين كان مصابا بالذبحة الصدرية التي أدت لوفاته كان يتألم في مقاعد انتظار المستشفى مع زوجته الهادئة جدا كذلك.. وكانت الطبيبة أمامهم تفحص من به التهاب ڤيروسي بسيط فأطالت الطبيبة الحديث مع المريضة فطلبت الزوجة من الطبيبة معاينة الحاج حسن.. فردت الطبيبة أنها مشغولة بمريضتها.. وأنا هنا لا أروي القصة حتى ألوم طبيبته حاشى.. ولكن لأروي رده على زوجته ففي رده اختصارٌ لحياته كلها.. قال الجليل حسن السلمان لزوجته: لماذا طلبتِ من الطبيبة أن تراني.. لا أريد مزاحمة الناس وإزعاجهم!

رغم قدرته باتصال واحد على شحن جيش من الأطباء لم يتصل بأحد.. ولم يشأ إزعاج أحد.. لأنه كان عابر سبيلٍ فعلا..

اتصل بي صديقه العزيز لرؤيته بعد أن انخفض ضغطه وضعف قلبه فلما رأيته مع صديقي جراح القلب محمد البنا في الحادية عشرة ليلا..كان على مشارف الموت.. ذلك كان جليا.. لكن وجهه كان يتحدث.. وإنني أعرف حديث الوجوه المقبلة على الموت.. كان مطمئنا مرتاحا وكأنه يقول أنه اليوم الذي طالما انتَظَرَه وأنه رغم حب الناس له على هذه الأرض فهناك أحبابٌ ورفقاء دربٍ اشتاقت لهم النفس حتى ما عادت تقوى على البقاء هنا في هذه الدنيا.. وأن وقته معنا كان وقت العبورِ فقط لِما سَيَفِدُ عليه الليلة.. فازَ و رب الكعبة..

1

كتبت عن يارا الجميلة

لم تَكُنْ تدري وهي تَلبَسُ هذا الثَّوْبَ.. كم مرةٍ بعدها سترتديه.. ولم تكن تدري متى ستكون أعظم مناسبةٍ ترتدي فيها مثل هذا الثوب الأبيض.. ولعلها.. أقولُ ولعلها سَرَحَتْ في فكرها بعيداً وهي تحدق بكل هذا الجمالِ في هذه الصورة.. سرحت.. حتى تخيلت فارسها الذي سَيُمْسِكُ بِيَدِها حينَ ترتدي الثوبَ الأبيَضَ الحقيقي الذي يشبه ما شاهدته أو سمعت عنه في أساطير الأميراتِ وغيرهن! وتَمَثَّلَت أباها.. صبغَتْ بعضَ شَعْرِهِ لَوْناً كاللؤلؤِ أبيَضاً.. حتى تعطي حلمها عن عُرسِها قليلاً من الواقع.. تمثلت أباها سعيداً وهو يزفها لفارس الأحلامِ ذاك..
لكنني لا أدري.. ما الذي تفكرت به في اللحظاتِ التيّ سَبَقَتْ مَوْتَها.. يارا قتلها الصهاينةُ قبلَ يَوْمَيْن.. فقتلوا فيها كل ذلك الجمال والأحلام.. فكانَ شعر أبوها أسوَداً يَوْمَ عرسها.. لم يكن كما اللؤلؤ!

She had no idea when she was wearing this dress, how many times in the future would she wear it again. She did not know when is the most important (white dress) occasion would come..
I bet that she daydreamed when she took this picture with all this beauty of that day.. I bet she did!
She day dreamt that he took her hand.. A handsome gentleman like those she saw in fairy tales.. After all she looks like a fairy tale princess and she only deserves her match! She also imagined her dad.. But she painted his hair with a pearly color.. To give some reality to her dream.. She imagined that it was her dad most happy day ever!
I do not know however, what she thought about moments before she was killed.. Yara was killed by the Israelis two days ago.. They killed all this beauty cold blooded.. Her dad hair color was black during her wedding in the skies.. It was not pearl colored like she imagined!

3

پومپي

كلكم سمع عن پومپي تلك المدينة الجنوبية الإيطالية الساحرة والتي اختفت من الوجود في بضع ساعات في القرن الأول الميلادي بعد أن دمرها بركان ڤيزوڤيوس وطمرها بأطنان من الرماد، حتى أنه لم يستطع أحد اكتشافها إلا بعد ما يقارب العشرين قرناً ثم استغرقت عملية تنظيفها من الرماد قرناً كاملا ابتدت من القرن الميلادي التاسع عشر..

الغريب والعجيب أن بعض أجساد سكانها ظلت كما هي حيث غلفتها مادة قد تكون من رماد البراكين فأصبحت كطبقة من الحجر عليها، ولذلك تستطيع أن ترى وجوه سكانها أثناء لحظاتهم الأخيرة بل حتى الملابس التي كانوا يلبسونها بتعرجات تلك الملابس والثنايا التي فيها.. الأشد غرابةً أننا لا ندري كيف ماتوا! فلو كانوا قد ماتوا من حمم البراكين.. كيف تبقى ثيابهم ولا تحترق؟! ولو كانوا ماتوا من غازات البراكين السامة.. كيف لا يبدو على وجوههم البحث عن النفس الأخير؟! ذلك الوجه المختنق الذي تذوب وجنتيه وتطبق شفتيه كمدفع يستعد للقصف؟! لا أدري كيف ماتوا!

لكن أحدهم وهو الذي في هذه الصورة يبدو وكأنه ملولٌ يضع يديه الإثنتين على خديه وهو ثانٍ لرُكبَتَيْه.. أو وكأنه يمسح الدموع من على خديه! هو يبدو حزيناً لا شكَّ بذلك.. ولو أنه كان يدري أنه سيبقى هكذا لآلاف السنين حزيناً هل كان سيقوم بمظهر الحزن هذا؟! أعني لو أنه كان يعلم علم اليقين أن آخر صورة له.. تلك الصورةُ التي ستبقى خالدةً له مدى الدهور ستكون صورته حزينا.. هل كان سيحزن أم أنه كان سيختار صورةً أكثر سعادة؟

ما فائدة كل هذا الحزن الذي يبدو علينا.. ربما كان أجمل ما بالحزن أنه علامةٌ يتعاطفُ معها كُلُّ من يراها.. ربما نحن نحتاج لذلك الحزن لأننا نحتاج أن نشعر أن هناك من يهتم لأمرنا.. أننا لسنا وحدنا في هذا الكون الشاسع..

نعم الأرضُ هذه نقطةٌ باهتةٌ لا تكادُ تُرى في هذا الفضاء الفسيح ونحن لا شيءَ فيها.. أنا وأنتَ الآن أعدادٌ فرديةٌ من بين ستة ملياراتٍ من البشر.. من نكون إن جمعتَ معنا كل أهل الأرض السابقينَ واللاحقين؟! لا نكونُ شيئاً! ربما كانت تلك آخر أفكار هذا المسكينِ قبلَ موته.. فشاءَ أن يبدوَ حزيناً حتى لا يبقى وحيداً طيلةَ تلكَ الأزمنة.. حتى نتعاطف معه ونفكر فيما عاناه قبل موته فلا يكونُ وحيدا!

فلا تحزن يا صديقي.. هناك دوماً من يراك.. ليسَ واجباً عليكَ أن تموت حزيناً حتى يشعر بكَ الآخرون.. فهناك ربٌ أقرب إليكَ من حبل الوريد يشعرُ بكَ قبلَ أن تَشعُر!

3

لا تبكي هنا

هذه القصيدة لأمريكية تدعى ميري فري.. لم تكتب في حياتها شعرا سوى هذه القصيدة.. قصتها أن جارتها كانت تبكي في أمريكا لأنها لم تستطع حضور آخر أيام أمها في ألمانيا.. وكانت تتمنى أن تزور قبر أمها لتسيل بعض الدمع عليه.. لم يكن لدى ميري فري سوى كيس ورقي فكتبت عليه من فورها هذه القصيدة التي ترجمتها بتصرفي من الإنجليزية:

لا تقف على هذا القبر وتبكي علي

أنا لست هنا.. أنا لا أنام هنا..

أنا آلاف الرياح تهب على وجنتيك

أنا بريق السماء على تلك الثلوج

أنا شعاع الشمس يحنو على تلك السنابل

أنا أمطار الخريف الهادئة

وعندما تصحو من نومك في الصباح.. أنا اليقظة التي ترفعك

أنا أسراب الطيور والنجوم التي تلألأُ ليلا في السماء

لا تقف على قبري وتبكي.. أنا لست هنا.. أنا لا أموت!

ومن أشهر اللحظات التي ألقيت فيها هذه القصيدة هي في جنازة شاب قتيل إثر انفجار قنبلة في ايرلندا الشمالية حيث ألقاها أبوه بعد أن وجدها في ممتلكات ابنه، وهذه هي القصيدة بالإنجليزية حيث إنها من أروع ما قرأت:

Do not stand at my grave and weep

I am not there; I do not sleep

I am a thousand winds that blow,

I am the diamond glints on snow,

I am the sunlight on ripened grain,

I am the gentle autumn rain.

When you awaken in the morning’s hush

I am the swift uplifting rush

Of quite birds in circled flight.

I am the soft stars that shine at night.

Do not stand at my grave and cry,

I am not there; I did not die

26

أقنعة فينيسيا

يقولون قلب الجراح ميت وأقول القلب مخف وكل ما ترون هو الوجه الذي ما هو إلا قناع القلب كأقنعة فينيسيا !

 

في خفارة الجراحة أنت جندي في خط الدفاع الأول! أي هجمة وقصف سيكون عليك! أنت بوجه المدفع بل بفوهته دون خندق يحميك أو درع يقيك. بأول خفارة لي كجراح متقدم التدريب بالسنة٣ كنت المسؤول الأول عن جراحات الحوادث والجهاز الهضمي! كان شعورا غريبا بالفعل كالمترقب لإنفجار بركان. كنت قبل هذه الخفارة متدربا أأتمر بجراح متدرب يخاطب الإستشاري، واليوم ليس إلا أنا والإستشاري الذي هو بمنزله بعيدا بخمسة عشرة دقيقة.

 

اختلطت برأسي كل السيناريوهات المحتملة لهجوم الخفارة الأولى ووضعت خططا عديدة للتعامل معها. السيناريو الأخطر كان وصول مريض مطعون ثم يفقد نبضه فجأة أمامنا!

 

 فالمطلوب بهذه الحالة فتح صدر المريض حالا بغرفة الحوادث وعمل عملية معقدة تسمى (عملية ال اي آر ثوراكوتومي)!

 

 هي أقرب شيء لإعادة شخص إلى الحياة فمن شروطها أن يموت المريض فعلا أمام عينيك.

 

 بين فقدان النبض والموت ثوان أو دقائق لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

 

انتشرت هذه العملية أثناء حرب ڤيتنام وكانت لها القدرة على إنقاذ روح الإنسان بنسبة ١٠٪ فقط! راجعت بمخيلتي ذلك اليوم عشرات المرات كيف أقوم بهذه العملية فالجراح المرابط بالمستشفى هو أنا.

 

بدأت الخفارة… كانت ليلة السبت المصادفة لليلة الهالووين بكندا سيكون هناك الكثير من المشاجرات بالشارع لا شك بذلك … سيكثر شرب الخمر لا شك بذلك أيضاً!

 

الناس ينتظرون حلول المناسبات لِيَحلموا! كل شيء يُسعِدُ الإنسانَ يَرْتَبِطُ بجانبٍ أو بآخر بالأحلام ،  والمناسبات مَدخَلٌ للحلم والنسيان دون سعادة غالبا!

 

فعلاً وكما توقعت بدأ دخول المرضى كالسيل! أولهم كان صاحب بقالة طعنه أحدهم عندما رفض دفع ثمن البيرة، رأيت الأشعة بها هواء خارج الرئة. شرحت للطبيب المتدرب معي أن المريض يحتاج لأنبوب لإخراج الهواء وإلا اختنقت الرئة، يجب ادخال الأنبوب بسرعة! شرحت له كيفية ادخال الأنبوب وقام هو بذلك: فتح الجلد بسكينة فخرج الشحم والدم ثم بضربة أخرى بالمشرط ظهرت عضلات الضلوع!

 

الآن لاتقطع العضلات بل فرقها ثم أدخل الأنبوب وخيطه! استغرق ١٠دقائق! قلت له يجب أن تعملها بدقيقة فأحيانا لا وقت لدينا نضيعه. واستمر مجيء المرضى أحدهم طعن برقبته آخر طعن ببطنه وبعض جرحى حوادث السيارات! كانت ليلة ليلاء!

 

الساعة الآن الثالثة صباحا لم ننم لحظة منذ السادسة صباحا من اليوم الذي قبله، ورنين الپيجر يصم أذني!

 

أتصل فإذا وحدة العناية القلبية..لديهم مريض بوحدة العناية القلبية ٣أيام بعد عملية قلب مفتوح لديه آلام شديدة بالبطن وضغطه بإنخفاض!نزلت للوحدة بالطابق الحادي عشر حيث كنت بالطابق الثامن عشر، فحصت المريض قلت لطبيبة الباطنية يجب أن نفتح بطنه بالعمليات حالا، ضغطه ينخفض من شيء ما في بطنه، ربما بسبب عملية القلب المفتوح التي عملها قبل ثلاثة أيام حيث من مخاطرها انخفاض سيلان الدم للإمعاء والقولون فيموت جزء منهما. يجب إعطاؤه أدوية لرفع ضغطه خلال وريد رئيسي. تعقمت وبدأت بإجراء عملية إدخال الأنبوب بالوريد الرئيسي بالرقبة لإعطائه أدوية تبقيه حيا حتى وقت العمليات!

 

الپيجر يرن أثناء إجرائي عملية أنبوب الوريد هذه المرة من غرفة الحوادث مع صوت آلي يرتفع بأروقة المستشفى كلها:

على فريق الجراحة التوجه لغرفة الحوادث حالا

على فريق الجراحة التوجه لغرفة الحوادث حالا

على فريق الجراحة التوجه لغرفة الحوادث حالا

 

 

 

 

قلت للطبيب المتدرب اذهب وتقصى الخبر فإذا كان إنذارا جديا وكانت الحالة تستدعي قدومي اتصل علي لآتي فلا أحسب مريض الحوادث بحالة أخطر من هذا المريض بوحدة العناية القلبية، هذا يموت أمامي!

 

بعدها بدقيقة اتصل!

 (موهامد) هو يقول اسمي بالإنجليزية!

نعم ماذا لديك؟ قلتها بسرعة

رد قائلا بصوت يتحشرج خوفا: لدينامريض١٩سنة ٢٢طعنة بالظهر! نبضه ١٩٠! لا لحظة! وقف نبضه الآن!

 

صرخت: قادم حالا!

Keep him alive!

ركضت كيوسين بولت في أولمبياد بكين! متخيلا خطوات عملية ال اي آر ثوراكوتومي

هذا الفتى يحتاجها الآن!

 

وصلت وإذا عشرين ممرضا وطبيب حوادث وشرطة! وضعت يدي على رقبته فلم يكن هناك نبض! 

 

طلبت منهم فتح عدة الإي آر ثوراكوتومي

 

فتى أسمر اللون مسحوب العينين غارق بدمائه تسيل من على حافة السرير على رجلي! أزيز الأجهزة الطبية يحوم في الغرفة منذرة أن روحا هنا على وشك الرحيل بكل ما كانت تملك ولم يكن ما ملكته كثيرا..فالصبي لم يأخذ فرصته بالحياة هو بالتاسعة عشرة فقط!

هل عشق؟ هل عانى من إزعاج رئيسه في عمله؟ هل سهر ليلة أو أخرى مكتئبا من مشاغل الحياة؟! لا أظن!

 

فتحت العدة! قبضت على السكين مستعدا لقطع صدره بالعرض!

 

قطعه لنصفين!

 

الهدوء يلف المكان وستون عينا ربما على المشرط!

 

الفتى ينزف حتى الموت وأنا أمامه قابضا على المشرط لفتح قلبه!

 

قبضت على السكين وطبيب الحوادث يشعر بترددي الغير معتاد و يهمس

 

Go

 

 

فرصة هذا الشاب إن بدأت بهذه العملية بالحياة لا تتجاوز ال٣٠٪ واقعا هو ميت الآن!

 

ثلاثة أطباء وأنا لم نحس بالنبض! كنت أراجع نفسي قبل أن أبدأ! قررت أن أعيد الفحص! كل الأفكار تدافعت وطبيب الحوادث بين ال g والo جزء من الثانية!

 

وضعت يدي على رقبته! طبيب الحوادث غاضبا يصرخ: لماذا تعيد فحص النبض إقطعه الآن بالسكين!

 

يدي على رقبته! أحس بشيء يتلوى

 

صرخت و كأنها أحد لحظات اليوريكا: هناك نبض!

 

هنا تغيرت الخطة يجب الذهاب إلى غرفة العمليات بعد وضع أنبوب برئته اليمنى ثم اليسرى بأسرع وقت!

 

نحن نصارع الموت و دقات الساعة والخوف! نحن نصارع إنسانيتنا!

 

إبدأ پروتوكول نقل الدم!

 

اتصل بغرفة العمليات قل لهم نحن قادمون الآن! اتصل على الجراح المسؤول وطبيب التخدير!

 

قمت بإعطاء هذه الأوامر بينما يدي تقطع جرحا صغيرا كاف لإدخال أنبوب الرئة اليمنى! خرج الشحم وشعيرات الدم الصغيرة عند الجلد تنزف!

 

فرقت عضلات الأضلاع و بإصبعي وسعت الفتحة! بدأ الدم بالتدفق كالنافورة! أصاب وجهي!

 

أدخلت أنبوبا بقطر ١٠٠فلس وأنا أسحب إصبعي من داخل الصدر!

 

انتقلت للجانب الأيسر وقمت بذات العملية! هنا لدينا أقل من دقيقة لوضع الأنابيب و …..پڤ! صوت يخرج عندما تدخل إصبعك بالقفص الصدري فيتدفق الدم وبعض الهواء!

 

لدى الإنسان ٥-٦ لترات دم! خرج من صدر الفتى الأيمن ٣ لترات و من الأيسر لتر واحد! خيطنا الأنبوبين واتجهنا لغرفة العمليات!

 

ونحن نخرج من غرفة الحوادث وإذا بالشرطة والمسعفين يدخلون بمريض مطعون ببطنه! وضعت يدي عليه وإذا ببطنه يابسا كالحجر!

 

كان نبض المريض الجديد جيدا لكن تيبس البطن بعد الطعن يعني أن هناك تسمما من اختراق الإمعاء بالسكين! يجب أن يذهب للعمليات بأسرع وقت. رباه! ما العمل الآن لدينا ثلاثة يصارعون الموت الآن الفتى النازف ومريض وحدة القلب والمريض المطعون ببطنه! لا شك أن الفتى النازف هو الأولى ثم سنقرر من التالي!

 

اتجهنا بالفتى النازف لغرفة العمليات تعقمت وأنا أكلم الجراح المسؤول بالهاتف!

كان على الطريق!

 

دخلت غرفة العمليات وإذا من حسن حظي أن أمهر طبيب تخدير كان موجودا..خفة دمه لا يعلى عليها: صاح بلكنته الألمانية السويسرية جمال ليلتك هذه مجنونة، أنت سيء الحظ فعلا.

 

طلبت من الممرضة السكينة فتحت الصدر الأيسر بالعرض بضربة واحدة كنت بالشحم! ضربة أخرى قطعت عضلات الضلع وإذا بالرئة كبالون وردي جميل..

 

كان هناك لترين آخرين من الدم بالقفص الصدري الأيسر وجرح بالفص السفلي الأيسر ينزف دما وهواء فيخرجان معا كرذاذ المطر من الرئة الوردية!

 

المصيبة أن منبع الدم ليس من الرئة بل من شرايين الأضلاع الخلفية..قرأت عنها مرة أنها من أسوء الجراح التي يمكن إصلاحها، فسبب صعوبة جرح شرايين الأضلاع الخلفية أنها متصلة مباشرة بأكبر شريان بالجسد الشريان الأورطي، كما أنها عميقة ومخفية من الرئة!

 

قطعت كل مايربط أسفل الرئة بالقفص ورفعتها هنا وصل الجراح المسؤول!

 

What do you have in here?

 

قالها مذهولا وتبعها باللعنات!

 

رفع الجراح المسؤول الرئة وطلب من طبيب التخدير أن يوقف الهواء إن استطاع بالرئة اليسرى حتى تصغر فنستطيع إيقاف النزيف!

 

كلما كان طبيب التخدير يقلل الهواء بالرئة اليسرى كلما انخفض الأوكسجين بالدم! لم نستطع تصغير الرئة! رؤية موضع النزيف بدقة شبه معدومة!

 

هنا قال الجراح المسؤول سأرفع الرئة سينخفض الأكسجين عليك الإحساس بالنزيف وخياطته! لا أدري إن كان هناك شيء آخر نستطيع فعله!

 

الفتى يموت..

 

طلبت من الممرضة أطول حامل إبرة رفع الجراح الرئة رأيت مكان نزيف هنا وقف الكون أمامي فجأة ولم أكن أرَ إلا موضع النزف!

 

قبل القيام بحركة صعبة دائماً يمر علي شريط جميل من ذكريات الطفولة والصحبة والحب! لاتسألني لماذا لكن دائماً أعيش لحظة حس مرهف كهذا قبلها! ربما تمر هذه اللحظات الجميلة لتطمئنني أن هناك متسع من الوقت..حينها أشعر براحة عجيبة وأنسى الضغط النفسي الرهيب. ربما تجعلنا ننسجم مع الطبيعة حولنا فنصبح واحدا!

 

أول مرة رأيت زوجتي

أول سقوط للثلج

عندما أذنت بأذن علي ابني الأول

فنجان الشاي مع من أحب

الأشياء البسيطة تريحنا حتى في أعقد اللحظات و أصعبها!

 

كانت الإبرة بالكاد تصل لموضع النزيف خيطته بالإحساس فقط..بشكل رقم الثمانية الإنجليزي وأعدت الحركة خمس مرات..خف النزف كثيرا!

أخذنا الدباسة الجراحية التي تدبس ثم تقطع لإستئصال الفص النازف!

وضعنا الكثير من المناشف الجراحية بالقفص الصدري الأيسر وانتقلنا لليمين!

فتحنا القفص الصدري الأيمن مرة أخرى كانت شرايين الأضلاع الخلفية تنزف هناك! أصلحناها بصعوبة. ما بالهم يقولون أن الطب متطور بينما نحن نستخدم ذات الآلات الجراحية منذ القرن السابق: خيط من الپرولين ذات الخيط المستخدم في صيد الأسماك ذات الخيط الذي أصطاد به على اليال بالكويت طفلا..أصطاد به الشرايين والموت الآن..وقف النزيف تقريبا لكن في ذلك الوقت كان الفتى بين الحياة والموت..يجب الآن الخروج من العمليات للإنعاش بأسرع وقت!

لم نخيط صدر الفتى..تركناه مفتوحا مليئا بالمناشف الجراحية، فإن خيطنا صدره سنضيع وقتا ثمينا قد يكلف المريض حياته ثم نقلناه للإنعاش بنبض سريع جداً وحرارة منخفضة: هذه علامات ليست جيدة لكن الأعجوبة أنه مازال حيا!

 

تنفس الجراح المسؤول الصعداء!

 

كان الشرطة ينتظرون بالإنعاش قالوا لنا أن من طعن الفتى ٢٢طعنة ليلة الهالووين كان يرتدي زي سوپرمان!

 

قلت للجراح المسؤول: لدينا ٢آخرين!

 

قال لم أرَ ليلة مثل هذه منذ زمن!

أجبته نعم لوهلة خيل لي أنها الفلوجة وليست مونتريال! ضحك ولازال يروي القصة بعنوان الفلوجة إلى يومنا هذا..

بعد العمليات وصلت المنزل ١٢ظهرا! ٣٠ساعة من دون نوم..رأت زوجتي البالطو الأبيض الغارق بالدماء! علمت أنها كانت ليلة ليست ككل الليالي!

 

انتقلت لمستشفى آخر وبعد شهر مررت على المستشفى الذي يرقد به الفتى رأيته من بعيد خلال زجاج الغرفة! كان من المقرر أن يرحل للمنزل غداً!

الفتى لايعرفني! التقيته مغلق العينين بين الموت والحياة! لم أشأ الدخول عليه كان مع أمه وأبيه! نظرت إليه مكفكفا دمعي الذي أتى خلسة من دون ميعاد!

 

أن تلتقي شخصا يفارق الحياة ثم تراه بعدها ضاحكا مع والديه كأن شيئا لم يكن ذلك شيء رهيب!

 

الوجه لا يعبر عن القلب دائماً

1

الحسين للجميع

إن الأبعاد كلها نسبية ووهمية ولعل أكثرها وهما هو الزمن!

إن نمت ألف عام ثم صحوت من نومك ما الذي سيعنيه لك الألف عام؟!

لا شيء!

فلا تلومَنَّ من سجنته الذكرى! ذلك أن الذكرى أهم من الزمن والفَقيدُ ليسَ كَكُلِّ فقيد!

فيا صديقي لا تجعل رفضك لمظاهر الحزن على الحسين مانعاً من معرفة الحسين!

ذلك أن الحسين لخص الإنسانية كلها في ما فعل، لخص الجمال والحب والشجاعة والعز والعشق! ثم أهدى البشرية جمعاء ملحمةً للهدى لم يستطع أحد بعده أن يكتب مثلها! حين كان ينزف دما بعد أن رمي بالسهم في فمه تراه يخرج السهم وتفور الدماء فيلقيها إلى السماء قائلا:
هون علي ما نزل بي أنه بعين الله!

تركت الخلق طُراًّ في هواكَ
وأيتمت العيالَ لكي أَراكَ
فلو قُطِّعتُ في الحب إرباً
لما حنَّ الفُؤادُ إلى سِواكَ

ولا أدعوك هنا أن تقرأه قراءة سياسية ولا أدعوك أن تؤطره بمذهبٍ أو صفة! أدعوك فقط أن تقرأ ملحمة كربلاء، اليوم الذي وقعت فيه المعركة فإنك فيها ستعيش ملحمة إنسانية قل نظيرها. ما بالنا نقرأ ملاحم الإغريق وغيرها لكننا حين نأتي للحسين أحد حفيدين فقط لرسول الله محمد نقف ونُشيحُ وُجوهَنا؟

وإن من أعظم قصص الحسين الإمام العظيم قصص رفاقه وأبنائه!

ذلك الذي كان يجود بنفسه متألما من طعن الرماح وجراح السيوف (مسلم بن عوسجة) فلما أتاه رفيق دربه حبيب بن مظاهر ذلك الصحابي البدري أتاه مع الحسين فحملوا رأسه من على التراب وطلب منه حبيب أن يوصيه بما يحب!

طلب حبيبٌ من مسلم بن عوسجة أن يوصيه بما يشاء ويحب فأشار إلى الحسين وقال: أوصيك بهذا الغريب… أن تموتَ دونه!

أينَ أهلُكَ يا مسلم؟ أين زوجك؟ أين أبناؤك؟ لِمَ لَمْ توصِ بهم؟! ولم توصِ إلا بسبط رسول الله الأكرم الوحيد؟!

وحين كانت زوجة أم وهب المسيحي ترفض قتال زوجها مع الحسين بداية المعركة لكنها أتت بعمود لتقاتل فتعجب وهب! سألها ما الذي غير رأيَكِ؟ قالت فداك أبي و أمي… قاتِل دون الطيبين ذرية محمد! فسألها ما الذي غير رأيكِ؟ قالت: إن واعية الحسين قطعت قلبي! ألا من ناصرٍ ينصُرُنا؟!

وهناك قصة لكل واحد من الإثنين والسبعين شهيدا من أصحاب الحسين وفي كل قصة عبرة وملحمة تحلق بروحك بعيدا. هذه العبر الروحية أساطيرٌ حقيقية لا تفوق حدود المذهب فقط بل حدود الإنسان والبدن والدين… هي عِبَرٌ تفوقُ كل حد!

فلا تجعل خلافك لمذهب أن يمنع روحك من الإستزادة من كنوز كربلاء فإنها للجميع، ليست للشيعة فقط وليست للمسلمين فقط وليست حتى للإنسان فقط … هي للكون أجمع!

كان في معسكر الحسين من قد يكون سنيا اليوم وكان في معسكر يزيد من قد يكون شيعيا اليوم!

3

الطبيب الكلب و الأعشاب (قصة حقيقية)

هذه الدنيا واضحة جداً لكنها من فَرْطِ وُضوحِها أَعْمَتِ الأَبْصارَ فَغَدا كُلُّ شَيءٍ سِراً ولُغزاً يَحْتاجُ إلى شَرْحْ!

كنت في آخر شهر لي في كلية الطب في اسكتلندا وتحديدا في جامعة أبردين أقدم كلية طب بالعالم الإنجليزي حيث تأسست في عام ١٤٩٥! وكانت مناوبتي في قسم الباطنية! اتخذت قراري قبل سنة أن أُصبِحَ جراّحاً رغم أنني كنت معجبا بتخصص باطنية الأعصاب وأمراض الدم وكنت كذلك معجبا بتخصص الطب النفسي. الجراحة سريعة النتائج كما أنك تواجه المشكلة بيديك، إن للجراحة لذة خوض المعارك ولذة الخوف الممزوج بالشجاعة وإن بها حزنا شديدا حين تفشل في مسعاكَ بيَدَيْكَ لإنتشالِ مريضِكَ من أعماقِ الموت! إن في تخصص الجراحةِ أعمَقُ المشاعِرِ الإنسانية و أكثَرُها تَضاداً!

ارتفع رنين جهاز المناداة (الپيجر) و إذا قسم جراحة الحوادث على الطرف الآخر منه!

نحتاجُ مُساعَدَتَكُم.

لدينا إمرأة في الثلاثينات من عمرها.

عَضَّها كَلْبُها!

وبينما نحن ننظف جرحها وإذا بها لا تُحِسُّ بِرِجْلَيْها ثم ارتفع هذا الإحساس لكل جسدها وهي الآن تَقريباً مَشلولة!

تطَلَّعنا في وجوه أحدنا الآخر والحيرة بأشد حالاتها تبدو لدرجة الغثيان! حتى رئيس الفريق الإستشاري المتخصص كان مذهولا! فما بالك بطالب مثلي!

في غرفة حوادث الجراحة رأينا تِلْكَ التي عَضَّها كلبها! ألا ينبغي للكلب أن يكون وفيا؟! هناكَ أَمَلٌ عند البَشَرِ أن الحب والخير والوفاءَ لا زالوا موجودينَ فِعلاً فإن غابت هذه الأوصافُ عَن بني البَشَرِ سَتَجِدُها بالحيَوان!
رُبَّما خَلَقَ الله الحيوانَ حتى لا نفقِدَ الأَمَلَ بِوُجودِ الخَيْر! حتى حينَ يتفق كل البشر على الشر ستجد حيوانا يفعل الخير! كَمَا فَعَلَ غُرابُ قابيل!
لا تَيْأَسْ مِن وُجودِ الحب والخير والجمال!

لكن الكَلْبَ هذا خالَفَ كل هذا! لم يَعُضَّها فَقَطْ! بل ربما كانت أسنانه تحتوي على بَكتيريا خاصة تسبب الشلل! هناك بكتيريا الكلوستريديوم قد تسبب مثل هذا الشلل وهي بكتيريا تنمو بالمعلبات التالفة أحيانا! بدأنا علاجَها بمختلف المضادات الحيوية!

هي الآن تجد صعوبة بالتنفس! لقد شلت عضلات أضلاعها التي تُساعِدُ على التنفس! لذلك انتقلنا بها الى الإنعاش ووضعنا أنبوبة التنفس في فمها فأصبحت تتنفس صناعيا!

قبل ذلك وعندما سألناها عن تاريخها الطبي وجدنا أنها خالية من الأمراض تماماً! هي بكامل صحتها! وحين سألناها عن الأدوية التي تأكل فإنها أنكرت أخذها لأي دواء فهي بحد زعمها تكره بلع الأدوية!
بإختصار هي إمرأة ثلاثينية بكامل صحتها تعيش وحيدة مع كلبها (الغير وفي)!

بدأت فحوصات دمها تبدأ بالظهور وكان أخطرها ملح الپوتاسيوم! كان منخفضا جداً (اثنان فقط)! رباه ذلك قد يؤدي لشلل كل الجسم وشلل عضلات القلب وتوقفها! ذلك قد يؤدي إلى الموت! ما الذي يجري هُنا؟!
سألنا الجراح عن حقن التخدير التي استخدمها لتنظيف الجرح؟! ربما حقن كمية كبيرة بالوريد دون أن يدري! لكن جوابه كان مطمئناً! لقد حقن كمية صغيرة جداً ولم تكن بالوريد؟! ثم ما علاقة ذلك بنقص الپوتاسيوم الشديد؟!

قمنا بضخ كميات كبيرة من الپوتاسيوم بأوردتها! وعندما أعدنا الفحص كل ساعة كان الپوتاسيوم لا يزال منخفضا جداً!

فحوصات الباكتيريا في الدم كانت سالبة! لا توجد باكتيريا بالدم!

قمنا بفحص البول! فوجدنا أن البول كان ممتلأً بالپوتاسيوم! ذلك يعني أن الكلية لا تقوم بعملها الصحيح في الحفاظ على الپوتاسيوم! إنها تفقد كل ما نضخه عبر أوردتها!

لكن كل ذلك لا يمكن أن يحدث عند انسانٍ بكامل صحته؟!

قَد نفقدها في أي وقت إن توقف قلبها! إنها مسألة وقت! ليسَ أَكثَرْ!

في صباح اليوم التالي سألناها مرة أخرى كل الأسئلة التي سألناها في اليوم الأول! وحين سألناها عن الأدوية أنكرت بيدها مرة أخرى! فمن الصعب التحدث مع أنبوبة في فَمِكْ.

لكن الإستشاري لم يقتنع، فكرر سؤاله عن أي نوع من الأدوية عن أي شيء غير الغذاء العادي الذي يأكله الإنسان يوميا! فتغيرت نظرَتُها وبدا عليها التفكير! ثم انتبهت وطلبت ورقة و قلما! لقد تحسن الپوتاسيوم لديها فعادت قدرتها على الحركة!

كتبت اسم عشبة تأخذها لتقوية المفاصل والحفاظ على نضارة الجلد!

أخذنا اسم هذه العشبة وبحثنا عنها بحثا طبيا مضنيا بالإنترنت!

كل الأشياء بالإنترنت تدل على فائدتها لكن كل هذه المواقع لم تكن مواقع طبية معتبرة ولا توجد أبحاث على كل ذلك!

بينغو! كلمة انجليزية تُستَخدَمُ فحينَ تفوزُ بنوع خاص من المقامرة!

وجدنا ثلاثة أبحاثٍ مٌعتَبَرة من الصعب إيجادها ببحث عادي على الإنترنت!

تُبَين هذه الأبحاث أن ثلاثة أشخاص بالعالم أصيبوا بخرير الكلية وفقدان الپوتاسيوم بسبب هذه الأعشاب!

تحسنت كليتها واستطاعت أن تعود لصحتها ولمنزلها وكلبها بعد يومين من العلاج!

السؤالُ المهم هنا: ما علاقة عضة الكلب بكل ذلك؟!

الجواب: لو لم يعضها كلبها لما اتجهت إلى المستشفى و لَأُصيبَتْ بالشلل في منزلها وتوفيت بسبب عدم القدرة على التنفس ووقوف القلب! لقد أحس الكلب أنها بخطر مُحدِقْ فَلَم يَجِدْ غَيْرَ العض وسيلةً لِجَعْلِها تَلْجَأُ للطبيب!

لا تأخذ أعشابا لا أبحاثَ عليها إلا إن كانَ كَلْبُكَ ساحِراً أو طبيبا!

ملاحظة: القصة حقيقية جداً ولم أزد عليها أي حرف بل ربما أنْقَصَت حروفي منها إثارَتَها!

3

إن الدموع لا تُرجِعُ أحدا

لا بد أن تعتاد على ألم الفراق، ذلك أنك ستَفقِدُ كُلَّ من تُحِب… أعني كلهم جميعا!

فإن رحلوا قبلك ستفقِدُهُم و إن رحلت قبلهم ستفقِدُهُم بشدة أكثر!

و ما شروق الشمس بجلالها وجمالها ثم غروبها إلا لِتُخبِرَكَ بذلك! أن كل شيء في هذه الدنيا إلى فراقٍ أو وداعٍ أو زوال! سمِّهِ ما شئت!

وحين أعني أن تعتاد ألم الفراق لا تعتقد أنني أعني أن تنسى من رحل كُلًِّيا! فأنت لا تستطيع ذلك لأنك إن حزنت لرحيل من تحب فأنت تحزن لفقدان جزءٍ منك! ستظل تحس فيه كالذي بُتِرَت ساقُه! هو يحس بوجودها بل حتى بآلامها رغم أنها مبتورة! وحتى إن نسِيَ عَقلُكَ من رحل فإن روحَكَ لن تنسى ذلك أبدا! فَحينَ تنام يتنزل هذا الألَمُ على قلبِكَ دون أن تشعُر حيث أن النوم وقتُ استيقاظِ الأرواح التي لا تنسى!

يقولون أن كل شيءٍ قابِلٌ للتعويضِ في هذه الدنيا إلا الوقت! كيفَ ذلك وأَنتَ تُحِسُّ أنك لن تستطيع أبدا تعويضَ حبيبِكَ الذي رَحَل؟! الإجابَةُ هي أنك لا تفتقده هو بالضرورة لكن تفتقد الوقت الذي كنت تقضيه معه والوقت الذي مضى هباءً حينَ كُنتَ معه… فلو قُدِّرَ لَكَ أن تستَرجِعَ ذَلِكَ الزَّمَن لَأَفنَيْتَهُ فيمن تُحِب! في نَظَراتِكَ في عَيْنَيْه أو استماعِكَ لكل ما يتفوه به حتى وإن خالَفَك! و لو أعطاكَ الله من الأمرِ شيئا فَلَرُبَّما رَجَوتَهُ أن تكونَ ظِلَّه! أو غَيمَةً لا تُفارِقُه أو شُعاعَ الشَّمسِ الحانِيَةِ على جَفْنَيْه!

و إنني يا أخي أعتَذِرُ لكَ من قولي عظم الله أجرك! فما أسهَلَ تَمْتَمَتي بهذه الكلمات التي لم تكن تَحسَبُ أنها سَتُقالُ لَكَ في هذه السنة و لربما حَسِبتَ أنها لن تُقالَ لَكَ أبدا في أُختِكَ التي تَصغُرُك! وأعتَذِرُ لَكَ ولَها ولزوجها وأبويكما والجميع عن كل أمَلٍ بِعتُهُ لكم! إن هذا الموتَ لا يعتَرِفُ بالأمل ولا ببائعي الأمل ولا بالسنينَ الطويلةِ التي كانت سَتَعيشُها! لكن العزاءَ الحقيقي أنها رحلت كما يرحل الأبطال وأنكم قمتم بواجبكم رغمَ انكِسارِ قلوبكم وظهوركم كما يقوم به أشجع الناس وأكثرهم عشقا وحبا لفلذات أكباده!

لا تحزن فقد قالتها لكم: إن الدموع لا ترد أحدا!