أوليسيوس و النسيان أو الشوق لذلك الذي يغيب

ما هو سر الغياب؟
فالنسيان يبدأ به
لكن الشوق يبدأ به كذلك
فلماذا نشتاق لبعض ما يخفيه الغياب وننسى بعضه الآخر؟
يقول الفيلسوف الفرنسي بارتيز أن الشوق هو المسافة بين الغياب وبين معرفتنا أن من غاب لم يعد كما كان! أي أن النسيان يبدأ حين نعرف أن من غاب لم يعد ذلك الذي غاب..
وقد قرأتُ ذات مرة أن أقسى عذابات الدنيا هي انتظار من لا يأتي.. إنتظار ذلك الذي غابَ لكنه تغير بفعل ما فلم يعد كما كان..

الإلياذة والأوديسي من أعظم كتب التاريخ وأقدمها وتحكي حروب الإغريق مع طروادة.. أحد أعظم أبطالها (أوديسيوس) أو (أوليسيس) بالرومانية.. حيث كان محاربا ودبلوماسيا ورجلا متعدد المواهب..
أوديسيوس ملك إثاكا وزوج احد اشهر الجميلات (پينوليپي) اتجه لحرب طروادة مع جيوش الإغريق وكان له الفضل في اكتشاف المحارب آخيل كما أنه هو من انتزع جثة آخيل بعد أن قتله پاريس رغم كثرة الأعداء الذين كانوا يمنعونه.. ثم كان أوديسيوس نفسه صاحب فكرة بناء حصان طروادة الذي جعل الإغريق ينهون الحرب لصالحهم..

أما أجمل وأشهر قصصه هو عودته مع أصحابه بعد انتهاء الحرب الى مدينتهم إثاكا.. حيث استمرت عشرة أعوام كاملة!

فبعد أن ترك طروادة توجه مع جيشه الصغير من أصحابه إلى إزمره فاحتلوها وأخذوا غنائمهم لكنهم في الصباح تفاجؤوا بهجوم كثيف عليهم فنجحوا بالهرب لكنهم فقدوا الكثير من رجالهم.. ثم أبحروا بإثنتي عشرة سفينة ففاجأتهم عاصفة رمت بهم على أرض تنتشر بها نباتات اللوتس ويقتات سكانها على هذه النباتات فقط وبينما هم في تلك الأرض وإذا بالوحش السايكلوب يقبض عليهم ويأكل بعضا من رجالهم، وهذا الوحش هو ابن پوسايدون إله البحار لكنه بعين واحدة فقط في رأسه.. ولما رأى الخمر في متاع أوديسيوس شرب الوحش الخمر كله فنام.. أتى أوديسيوس ففقأ عين الوحش الوحيدة فأصبح أعمى لا يرى.. اشتكى الوحش لأبيه من أوديسيوس.. واستمرت مقارعة أوليسيوس لتلك الوحوش حتى عاد إلى إثاكا بعد أن عانى الأمرين.. فوجد الرجال يحاولون الإيقاع بزوجته الجميلة لكنها كانت ترفضهم ولم يعرفه أحد في تلك المدينة فقد تغير وجهه بفعل السنين والحروب.. وبينما كان يسير في أزقة المدينة عوى كلبٌ عجوز.. نظر إليه أوليسيوس وإذا به كلبه الوفي (آرغو).. ذلك البطل الشجاع المغوار لم يتعرف إليه أحد سوى كلبه آرغو..

وهكذا يكون الغياب.. مناسبة للشوق من البعض وفرصة للنسيان من البعض الآخر..

فيا صديقي لا تنسى ذلك الذي كان يملؤ حياتك بالجمال.. لا تنساه..فربما كان هو يذكرك حتى حين نَسيتَه.. لا تنساه! حتى الكلاب لا تنسى أصحابها!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s