الرياح والروح وهذا الذي لا يأتي

ذاتَ يومٍ تحدثت مع صديق عن الرياح فقال لي أنه قرأ ذاتَ مرة عن أعمىً يقول أنه يعشق الرياح لأنها الشيء الوحيدُ الذي يستطيع رؤيته رغم أنه أعمى!
شغلت بالي جملة الأعمى هذه ففكرت فيها مَلِياًّ!
وهذه حصيلة الأفكار:
العناصر الأربعة هي الماء والنار والأرض والرياح، فأما أكثرها غُموضاً و سِحراً للأَذهانِ هي الرياح! إنها شيء من الروح ألا ترى الأقدمينَ كانوا يعتقدون أن الروح هي نسمة من الهواء؟ ولذلك تشابهت أصل كلمتي الروح والرياح؟! فكلما كان الشيء قريبا من الروحِ كلما كان أجمل وأكثر غموضا وسحرا! فَكيف تتواصل الأرواح سوى بالرياح؟
هذه الريح تحمل معها سلامَ من نحب وبعضا ممن نحب كشذاه وعطره ربما، ثم إنها تجوبُ الأرضَ كُلَّها بَحثاً عنكَ حتى توصله إليك ، فلربما ذكرك فجأة لمن غاب لا لشيء إلا لأن الرياحَ أوصلت إليك حبهُ وسلامَهُ وعطره؟ بل ولربما كانت الذكريات القديمة تلك لا تُستَثارُ إلا بحركة الرياح هذه!
قد تتصور أنني أحاول الكتابة بطريقة رومانسية فقط عن الرياح لكنني فعلا أعني ما أكتب، فَلَوْ نظرت للحواس الخمس لوجدت أن كلا منها يحتاج وَسَطاً ماديا حتى يحدث الإحساس! فحاسة اللمس تحتاج ذبذبات الإحتكاك بين اليد والشيء الذي تلمسه وحاسة السمع تحتاج الرياح التي تحمل الصوت بل إن الصوت لا شيء سوى الرياح وحاسة الشم تحتاج الرياح التي تحمل جزيئات الشيء الدقيقة فتلقيه فينا وحاسة الطعام تحتاج السوائل التي تذيب الشيء وتفككه حتى تستطيع كيمياء اللسان أن تتذوقه وحاسة البصر تحتاج انعكاس النور على الأشياء! بالمناسبة كان بعض فلاسفة الإغريق يؤمن أن حاسة البصر تحدث من خلال الرياح حين تلقي بعضا من جزيئات الأشياء على أعيُنِنا! فمن أصل خمس حواس بدنية تحتاج الرياح لإثنين منهما بل وتحتاج الرياح لأقربها اتصالا بالدماغ وهي حاسة الشم! لكنني مؤمنٌ بأن الحواس ليست خمسة فقط فهناك حواس لم يكتشفها العلم بعد وهناك ما اكتشفها لكنها ليست مضافة للحواس الخمس كحاسة معرفة وضع الجسم (پروپريوسپشن) فهذه الحاسة تجعلك تتزن من دون أن تحاول ذلك عقليا وحين يموت جزء الدماغ المسؤول عن هذه الحاسة لا تستطيع الحركة المتوازنة!
فإذا كان للبدن المحدود كل هذه الأحاسيس لماذا تستكثر ذلك على الروح اللامحدودة وإذا كانت الرياح مسؤولة عن حاستين من حواس البدن فلا شك أنها مسؤولة عن غالبية حواس الأرواح!
يقول الشاعر الفارسي الشهير جهان الملك ما معناه:
مستعد أن أعطيكَ قَلبي وروحي بكل سعادة إن جلبت لي هذه الريح بعضاً مِن شذى مَن أُحِب
أَشْتَمُّ ذلك الشذى فترتاحُ روحي راحتها الأبدية
فإن لم تجلبي لي يا أيتها الريح بعضا منها
فاجلبي المسك والكافور والعنبر ثم رشي بعض البنفسج والنرجس ذلك عطرها إنها رائحة الربيع
إنها شيءٌ من الجنة!
فاحملي يا أيها الريح سلامي إليه فإن لم أره فإنني على يقينٍ أنه يسمع كلامي ويرد هذا السلام فسلامي عليه وحبي إليه! إن هذا الأعمى كان يرى الريح لأن الريح هي الوسط الذي تحس به الأرواح! إنك لا تحتاج أن تُبصِرَ حتى ترى بِروحِك! وأنا أراكَ بِروحي فلا أحتاجُ أن أُبصِرَكْ يا شيئا من الجَنَّةِ والجِنَّة!

20131111-154809.jpg

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s