هذه الدنيا واضحة جداً لكنها من فَرْطِ وُضوحِها أَعْمَتِ الأَبْصارَ فَغَدا كُلُّ شَيءٍ سِراً ولُغزاً يَحْتاجُ إلى شَرْحْ!
كنت في آخر شهر لي في كلية الطب في اسكتلندا وتحديدا في جامعة أبردين أقدم كلية طب بالعالم الإنجليزي حيث تأسست في عام ١٤٩٥! وكانت مناوبتي في قسم الباطنية! اتخذت قراري قبل سنة أن أُصبِحَ جراّحاً رغم أنني كنت معجبا بتخصص باطنية الأعصاب وأمراض الدم وكنت كذلك معجبا بتخصص الطب النفسي. الجراحة سريعة النتائج كما أنك تواجه المشكلة بيديك، إن للجراحة لذة خوض المعارك ولذة الخوف الممزوج بالشجاعة وإن بها حزنا شديدا حين تفشل في مسعاكَ بيَدَيْكَ لإنتشالِ مريضِكَ من أعماقِ الموت! إن في تخصص الجراحةِ أعمَقُ المشاعِرِ الإنسانية و أكثَرُها تَضاداً!
ارتفع رنين جهاز المناداة (الپيجر) و إذا قسم جراحة الحوادث على الطرف الآخر منه!
نحتاجُ مُساعَدَتَكُم.
لدينا إمرأة في الثلاثينات من عمرها.
عَضَّها كَلْبُها!
وبينما نحن ننظف جرحها وإذا بها لا تُحِسُّ بِرِجْلَيْها ثم ارتفع هذا الإحساس لكل جسدها وهي الآن تَقريباً مَشلولة!
تطَلَّعنا في وجوه أحدنا الآخر والحيرة بأشد حالاتها تبدو لدرجة الغثيان! حتى رئيس الفريق الإستشاري المتخصص كان مذهولا! فما بالك بطالب مثلي!
في غرفة حوادث الجراحة رأينا تِلْكَ التي عَضَّها كلبها! ألا ينبغي للكلب أن يكون وفيا؟! هناكَ أَمَلٌ عند البَشَرِ أن الحب والخير والوفاءَ لا زالوا موجودينَ فِعلاً فإن غابت هذه الأوصافُ عَن بني البَشَرِ سَتَجِدُها بالحيَوان!
رُبَّما خَلَقَ الله الحيوانَ حتى لا نفقِدَ الأَمَلَ بِوُجودِ الخَيْر! حتى حينَ يتفق كل البشر على الشر ستجد حيوانا يفعل الخير! كَمَا فَعَلَ غُرابُ قابيل!
لا تَيْأَسْ مِن وُجودِ الحب والخير والجمال!
لكن الكَلْبَ هذا خالَفَ كل هذا! لم يَعُضَّها فَقَطْ! بل ربما كانت أسنانه تحتوي على بَكتيريا خاصة تسبب الشلل! هناك بكتيريا الكلوستريديوم قد تسبب مثل هذا الشلل وهي بكتيريا تنمو بالمعلبات التالفة أحيانا! بدأنا علاجَها بمختلف المضادات الحيوية!
هي الآن تجد صعوبة بالتنفس! لقد شلت عضلات أضلاعها التي تُساعِدُ على التنفس! لذلك انتقلنا بها الى الإنعاش ووضعنا أنبوبة التنفس في فمها فأصبحت تتنفس صناعيا!
قبل ذلك وعندما سألناها عن تاريخها الطبي وجدنا أنها خالية من الأمراض تماماً! هي بكامل صحتها! وحين سألناها عن الأدوية التي تأكل فإنها أنكرت أخذها لأي دواء فهي بحد زعمها تكره بلع الأدوية!
بإختصار هي إمرأة ثلاثينية بكامل صحتها تعيش وحيدة مع كلبها (الغير وفي)!
بدأت فحوصات دمها تبدأ بالظهور وكان أخطرها ملح الپوتاسيوم! كان منخفضا جداً (اثنان فقط)! رباه ذلك قد يؤدي لشلل كل الجسم وشلل عضلات القلب وتوقفها! ذلك قد يؤدي إلى الموت! ما الذي يجري هُنا؟!
سألنا الجراح عن حقن التخدير التي استخدمها لتنظيف الجرح؟! ربما حقن كمية كبيرة بالوريد دون أن يدري! لكن جوابه كان مطمئناً! لقد حقن كمية صغيرة جداً ولم تكن بالوريد؟! ثم ما علاقة ذلك بنقص الپوتاسيوم الشديد؟!
قمنا بضخ كميات كبيرة من الپوتاسيوم بأوردتها! وعندما أعدنا الفحص كل ساعة كان الپوتاسيوم لا يزال منخفضا جداً!
فحوصات الباكتيريا في الدم كانت سالبة! لا توجد باكتيريا بالدم!
قمنا بفحص البول! فوجدنا أن البول كان ممتلأً بالپوتاسيوم! ذلك يعني أن الكلية لا تقوم بعملها الصحيح في الحفاظ على الپوتاسيوم! إنها تفقد كل ما نضخه عبر أوردتها!
لكن كل ذلك لا يمكن أن يحدث عند انسانٍ بكامل صحته؟!
قَد نفقدها في أي وقت إن توقف قلبها! إنها مسألة وقت! ليسَ أَكثَرْ!
في صباح اليوم التالي سألناها مرة أخرى كل الأسئلة التي سألناها في اليوم الأول! وحين سألناها عن الأدوية أنكرت بيدها مرة أخرى! فمن الصعب التحدث مع أنبوبة في فَمِكْ.
لكن الإستشاري لم يقتنع، فكرر سؤاله عن أي نوع من الأدوية عن أي شيء غير الغذاء العادي الذي يأكله الإنسان يوميا! فتغيرت نظرَتُها وبدا عليها التفكير! ثم انتبهت وطلبت ورقة و قلما! لقد تحسن الپوتاسيوم لديها فعادت قدرتها على الحركة!
كتبت اسم عشبة تأخذها لتقوية المفاصل والحفاظ على نضارة الجلد!
أخذنا اسم هذه العشبة وبحثنا عنها بحثا طبيا مضنيا بالإنترنت!
كل الأشياء بالإنترنت تدل على فائدتها لكن كل هذه المواقع لم تكن مواقع طبية معتبرة ولا توجد أبحاث على كل ذلك!
بينغو! كلمة انجليزية تُستَخدَمُ فحينَ تفوزُ بنوع خاص من المقامرة!
وجدنا ثلاثة أبحاثٍ مٌعتَبَرة من الصعب إيجادها ببحث عادي على الإنترنت!
تُبَين هذه الأبحاث أن ثلاثة أشخاص بالعالم أصيبوا بخرير الكلية وفقدان الپوتاسيوم بسبب هذه الأعشاب!
تحسنت كليتها واستطاعت أن تعود لصحتها ولمنزلها وكلبها بعد يومين من العلاج!
السؤالُ المهم هنا: ما علاقة عضة الكلب بكل ذلك؟!
الجواب: لو لم يعضها كلبها لما اتجهت إلى المستشفى و لَأُصيبَتْ بالشلل في منزلها وتوفيت بسبب عدم القدرة على التنفس ووقوف القلب! لقد أحس الكلب أنها بخطر مُحدِقْ فَلَم يَجِدْ غَيْرَ العض وسيلةً لِجَعْلِها تَلْجَأُ للطبيب!
لا تأخذ أعشابا لا أبحاثَ عليها إلا إن كانَ كَلْبُكَ ساحِراً أو طبيبا!
ملاحظة: القصة حقيقية جداً ولم أزد عليها أي حرف بل ربما أنْقَصَت حروفي منها إثارَتَها!
أحسنت. قصه جميله
معلومه لا يعلمها الكثير ان للحيوانات جهاز استشعار بالخطر في ناصيتها وقدرته علي الاحساس بالمخاطر قبل وقوعها
سبحان الله فعلاً شي اشبه بالمعجزه ،، اسلوبك بالسرد رهيب دكتور الله يوفقك وللامام 😀